الطبيعة البشرية تخشى الوحدة وتقاومها بشتى السبل وتبذل ما في وسعها كي تقضي على أسوارها المظلمة وآثارها القاتلة لروح الحياة وبهجتها. ولا أستطيع تخيل ذلك الكيان البشري اللطيف يتحمل الوحدة ويكابد قسوتها ومرارتها، ومشافهة الجمادات وممارسة الروتين اليومي القاسي الذي يسلب الحياة ويسرق الفرحة. بلا قيمة بلا حس تكون الحياة من دون إنس البشر، وإذا خلت منهم قد تكون أشبه بقبر معتم يعيش فيه الإنسان. الوحدة بلا شك تجلب الانطواء، ما يسبب الألم النفسي والحسرة المتكررة من تلك العزلة التي تقضي تماماً على نفسيه الإنسان ومناعته الجسدية وحتى على مدى سرعته في الإنجاز وتحقيق الهدف، فالانطواء الذي نتج من الوحدة وتجزأ منها هو عبارة عن وهم يسيطر على المشاعر والحواس الإنسانية ويسلب من الإنسان إحساسه بقيمته وبأهمية وجوده في تلك الحياة حيث يشعر بأنه دائماً شخص غير مرغوب فيه وبأن الابتعاد والعزلة هما الحل الأفضل والوحيد لراحته النفسية وإحساسه بذاته لا يكون إلا بمفرده. هذا الانطواء ليس سوى أفكار وهمية لا وجود لها من الناحية العقلانية، وهي تخالج الفكر وتبعث اليه بانطباعات سيئة عن مجتمعه، وعندما يستسلم لتلك الأفكار تتلاشى فيه روح الحياة وتسرق منه الفرح. قد تكون العلاقات مادية ومبنية على أسس تجارية ومصالح متفاوتة، ولكن في إمكان الشخص إذا كان اجتماعياً مماشياً لفطرته السليمة أن يتجاوز تلك العقبة المتمكنة في تسيير علاقاتها، إضافة الى أن هناك علاقات غالباً ما تخلو من تلك المصالح كالعلاقات الأسرية والعلاقات المبنية على المحبة الصادقة لا تلك المبنية على مصالح بمجرد انتهائها تنقضي العلاقة. قد يكون كل ما يصل اليه الإنسان من عزلة وتشاؤم من تلك الحياة من صنع يديه وعدم إحكامه لتصرفاته وتفريطه بالفرص التي تكون في متناول يديه، وقد تنهار بعض علاقاته بسبب أمور تافهة تصدر منه لكن لا يشعر بها بل كل ما يشعر به أنه قد وصل الى القمة من الرقي والمثالية في التعامل، واذا اختار الانطواء وأعلن العزلة فسيكون بلا شك اختار أن يقضي على مشاعره ويقاوم أحاسيسه وفطرته الاجتماعية. متعة الحياة أو ذروة سعادتها تتجسد بأن نرى من يقف الى جانبنا ويهيئ لنا سبل الحياة المريحة، وعندما يغلبنا اليأس وتمرغنا الآلام نجده يشعرنا بقيمتنا وبالحاجة الى وجودنا في حياة أصبحت بلا مشاعر. أبرار السقاف - بريد الكتروني