ثمة من يعتقد في الولاياتالمتحدة بأن تسمية اليوم بيوم الانتخابات هي مغالطة كبيرة، وقد يكون ذلك صحيحاً، باعتبار ان أكثر من 27 مليون ناخب أميركي أي ثلث الناخبين المسجّلين تقريباً أدلوا بأصواتهم مبكراً خلال الأيام ال 50 الماضية. وفي وقت يتواصل إحصاء هذه الأصوات المبكّرة فإن أثرها ملموس سلفاً على الأرض، اذ حطمت أرقام الناخبين الذين اقترعوا مبكراً هذا العام، أرقاماً قياسية نسبة الى الانتخابات السابقة وبلغت نسبتهم 30 في المئة. ففي عام 1992، لم تتجاوز نسبة الذين اقترعوا مبكراً ال 7 في المئة في حين لم تتجاوز النسبة ال 10 في المئة في العام 2004. وهناك من يعزو فوز بوش في انتخابات 2004 الى حملة ال 72 ساعة الأخيرة، فيما اعتمدت حملة ماكين حملة مشابهة منذ الأحد الماضي، لكن فاعليتها ستبقى مجهولة حتى يتم إعلان الإحصاء النهائي للأصوات. لا يمكن التعميم بخصوص اتجاهات الاقتراع المبكّر في هذا العقد، فعادة يكون المقترعون المبكّرون من البيض والمثقفين والأكبر عمراً والأوفر مالاً. وبدا ملحوظاً هذا العام، أنهم من الأميركيين من أصول أفريقية ومن أولئك الأصغر سناً وذوي الخلفيّات الديموقراطية. ويسمح القانون الأميركي في 32 ولاية بالاقتراع المبكر من دون أي عذر، ويسمح به مشفوعاً بعذر في 14 ولاية أخرى. ويصعب التكهن بمن هو المستفيد الأكبر من الاقتراع المبكر، ولكن معظم الاستطلاعات تُظهر تقدّم المرشح الديموقراطي باراك أوباما الذي استثمر أموالاً طائلة في حض الناخبين في معظم الولايات على التصويت قبل الرابع من تشرين الثاني الجاري. لكن ذلك لا يعني أن مفاجأة من المرشح الجمهوري جون ماكين ستكون خارج حسابات اللعبة. فبعض الولايات التي تصوّت تقليدياً للمرشح الديموقراطي تغازل ماكين واحتمال فوزه بأصواتها واردٌ جداً. أقرب مثالين على ذلك هما نيوهامبشير وبنسلفانيا وليست مصادفة أن يقرّر ماكين اختتام حملته الانتخابية الطويلة فيهما. نيوهامبشير وضعته في المقدمة في بداية الانتخابات التمهيدية، وأبناء الطبقة المتوسطة من البيض في أرياف بنسلفانيا الشاسعة التي صوتت للمرشح الديموقراطي باستمرار منذ 1988 يفضّلون المرشّح الأبيض على غيره. وأوباما تعلّم من خيبات الديموقراطيين في الاستحقاقين السابقين ألّا يستبق النتائج، وهو اختتم حملته بالطريقة ذاتها ولكن في الاتجاه المعاكس، فزار في اليومين الأخيرين بعض الولايات التي صوتت لبوش في الانتخابات الأخيرة أي أوهايو وفلوريدا ونورث كارولينا وفرجينيا. ومعلوم ان مفاجأة من أوهايو أو بنسلفانيا قد تحسم الانتخابات في شكل نهائي وخصوصاً أن الحديث عن"اثر برادلي"عاد إلى الواجهة توم برادلي هو عمدة لوس انجليس الأميركي من أصول أفريقية وكان ينافس على منصب حاكم كاليفورنيا في عام 1982 وبقي متفوقاً في استطلاعات الرأي بفارق سبع نقاط، لكنه خسر يوم الانتخابات بفارق صغير. ووصلت حدة الحملة الانتخابية إلى درجة أن بعض الديموقراطيين يتخوفون من أن يكون الحديث عن"أثر برادلي"ما هو إلا تغطية لغشٍ جمهوريٍ مخططٍ له سلفاً. أنصار الاقتراع المبكّر يرون فيه حلاً لمشاكل الطوابير الطويلة ولمعضلة إيجاد مكان لركن السيارة أو أخذ إجازة من العمل، إذ يمكن التصويت عن طريق البريد أو في أوقات مريحة. والحماسة التي رافقت هذه الحملة وإقرار الاقتراع المبكر من دون عذر في ولايات جديدة، حدا بكثيرين الى اغتنام الفرصة. وفاق نجاح هذه العملية التوقعات حتى انه تم تمديد ساعات الاقتراع المبكر في ولايات مثل فلوريدا وكولورادو تحت تأثير ضغط الطوابير الطويلة، حيث أدلى نصف الناخبين المسجلين بأصواتهم قبل الرابع من تشرين الثاني. وبالنسبة الى السياسيين فإن الاقتراع المبكّر يضمن لهم أصوات ناخبيهم سلفاً ويتيح لهم التركيز على شرائح أخرى من المترددين. ولكن هناك أيضاً من يحذّر من الاقتراع المبكّر فهو يزيد مخاطر فقدان بطاقات الاقتراع أو التلاعب بها. ومن جهة أخرى، فان الاقتراع المبكّر مقامرة ليست بقليلة مع أمكانية وقوع حدث جلل يغير في مسار الانتخابات بعد اقتراع الناخب. وفي التاريخ الأميركي أسباب وجيهة لإعادة النظر، فمثلاً أنصار جون إدواردز الذين صوتوا له في الانتخابات التمهيدية أضاعوا أصواتهم، إذ انسحب من السباق قبل يوم الانتخابات. وأخيراً فإن استطلاعات الرأي التي تستهدف المقترعين المبكرين قد تحبط المقترعين العاديين وتحضهم على الامتناع عن التصويت. بين متطوعي أوباما الذين يدّقون أبواب الناخبين باباً باباً وبين ماكين الذي عاد من بين الأموات حقيقةً ومجازاً، قد يكون حسم انتخابات اليوم، بدأ وانتهى منذ أيام مضت.