التناقض في المشهد بين الحملتين الرئاسيتين الأميركيتين أمس يعكس التوقعات المتباينة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري من انتخابات يوم الثلثاء المرتقبة. فاختفاء الرئيس جورج بوش عن الأنظار، وانهماك مرشح حزبه جون ماكين في تقليص الفارق في الساعات الأخيرة المتبقية على السباق، قابلهما أمس انطلاق الديموقراطيين في التخطيط لمرحلة ما بعد الاقتراع وتسريب التعيينات المحتملة في البيت الأبيض، في حال فوز مرشحهم باراك أوباما. ورغم نجاح ماكين بتقليص الفارق الى معدل خمس نقاط أمام أوباما في الاستطلاعات الوطنية التي نشرت امس، وبنسب أقل في ولايات حاسمة مثل أوهايو وبنسلفانيا وفلوريدا، تواجه حملته عائقا صعبا للعودة الى الصدارة، وانتزاع الفوز، خصوصا في ظل قلق الاميركيين من الأزمة الاقتصادية المنسوبة الى ادارة الرئيس جورج بوش، والتي ساهمت في أرجحية الحزب الديموقراطي. ولاحظت صحيفة"نيويورك تايمز"ان الرئيس بوش"اختفى"عن الأنظار في الأسابيع الأخيرة، وانه ادلى بصوته في الاقتراع عبر البريد. وهو توجه الى منتجع كامب ديفيد أمس، وسيلازم البيت الأبيض يوم الانتخابات. اذ يخشى الرئيس الأقل شعبية في التاريخ الأميركي اليوم من تداعيات ربطه بماكين على حظوظ الحزب. وركز فريق المرشح الجمهوري أمس على ولاية بنسلفانيا التي توجه اليها آلاف المتطوعين الانتخابيين، إذ سينعش فوز مبكر للجمهوريين في الولاية الشرقية آمالهم في تحقيق مفاجأة ليل الثلثاء، خصوصا في حال تحول الشريحة المترددة الى معسكر ماكين. الا أن الديموقراطيين لم ينتظروا نتائج الاقتراع الذي ترجح الاستطلاعات ان يعيدهم الى البيت الأبيض للمرة الاولى منذ 1996. وبدأوا عملية التعيينات في الادارة المحتملة لأوباما، والتي من المتوقع أن تكشف بعض المناصب الحساسة فيها بعد أقل من أسبوع على الاقتراع. وتضم اللائحة وجوهاً مخضرمة من حقبة الرئيس السابق بيل كلينتون، أبرزهم نائبه آل غور الذي قد يتولى حقيبة بيئية مستحدثة لمعالجة أزمة الاحتباس الحراري. أما على صعيد الخارجية والأمن القومي، فنقلت صحيفة"بوليتيكو"أن منصب مستشار الأمن القومي هو موضع تنافس بين جيم ستاينبرغ، وهو نائب سابق لمجلس الامن القومي خلال رئاسة كلينتون، وغريغوري كريغ وسوزان رايس المستشارين الحاليين لأوباما وسابقا في ادارة كلينتون، والجنرال المتقاعد أنتوني زيني الذي كان مبعوثا الى الشرق الاوسط في الولاية الاولى لبوش. وعلى صعيد وزارة الدفاع البنتاغون، تبادلت الأوساط السياسية في العاصمة الأميركية اسمي السناتور الجمهوري تشاك هاغل ووزير البحرية السابق ريتشارد دانزيغ. كما من المرجح بقاء الوزير الحالي روبرت غيتس لفترة انتقالية ولتسهيل عملية نقل السلطة في المواقع الأمنية الحساسة. ويتنافس كل من السناتور جون كيري وحاكم ولاية نيو مكسيكو بيل ريتشاردسون على منصب وزارة الخارجية، وكليهما من المدرسة الواقعية ويؤيدان الانخراط الديبلوماسي في المنطقة والتعاطي مع الملفات بشكل أكثر ترابطا وبالتواصل مع مختلف الجهات الاقليمية. وبرز اسما لاي سامرز وروبرت روبن، وكلاهما من ادارتي كلينتون، لتولي وزارة الخزانة. كما يتوقع تعيين أسماء جديدة في الاستخبارات، وأكثر مرشحيها نواب من لجان الكونغرس. وسيضم مجلس الأمن القومي وطاقم وزارة الخارجية مسؤولين سابقين من التسعينات، مثل المبعوث السابق دنيس روس في منصب مستشار رئاسي لشؤون الشرق الأوسط، والذي يشغره اليوم أليوت أبرامز، الى جانب ويندي شرمان وهي قريبة الى وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، وكانت مستشارة سابقة لكلينتون. كما من المتوقع استقدام خبير الشؤون النووية السناتور السابق صموئيل نان، ووزير الدفاع السابق ويليام بيري. وتشكل هذه الأسماء افتراقا واضحا عن الخط السياسي في تشكيلات ادارتي بوش منذ العام 2000، وترى أولوياتها في اعادة ضخ الديبلوماسية في المنطقة، وأولوية التعامل مع التهديد الايراني الى جانب إحياء عملية السلام. الى ذلك، حض بوش الأميركيين على التوجه الى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم بعد غد. وقال في تصريح إذاعي أسبوعي:"بعد شهور من النقاش المفعم بالحيوية والحملات الانتخابية النشيطة، آن الأوان ليتخذ الأميركيون قرارات مصيرية تخصّ مستقبل أمتنا"، وزاد:"أشجّع كل الأميركيين على التوجّه الى صناديق الاقتراع والانتخاب". ووصف بوش المنافسة بين الأحزاب بأنها"جزء أساسي من الديموقراطية الصحية"، داعياً الجمهوريين والديموقراطيين والمستقلين بعد انحسار الحملات الانتخابية الى"إيجاد أرضية مشتركة ولو على نقطة واحدة هي أن نظام التمثيل الديموقراطي عندنا، واحد من نقاط القوة العظيمة في أميركا". واعتبر أن يوم الانتخابات هو"للتذكير بأن المبادئ الأميركية التأسيسية حيّة وفي حال جيدة". وزاد إن"ملايين الأميركيين من كل الأعراق والديانات والخلفيات، أغنياء وفقراء، كباراً وصغاراً، يدلون بأصواتهم ولكلّ منهم حصة متساوية في اختيار الطريق التي ستسلكها أمتنا". وأكد بوش أن التصويت في الولاياتالمتحدة يشكل نموذجاً يحتذى به في العالم. ولفت الى"أن الديموقراطيات الناشئة من جورجيا وأوكرانيا الى أفغانستان والعراق، تنظر الى الولاياتالمتحدة للتثبت من أن الحكم الذاتي قادر على الصمود والبقاء، أما الأمم التي ما زالت تعيش في الظلم والاستبداد فيمكن أن تجد الأمل والإلهام في التزامنا الحرية".