أعاد الحكم بحبس رئيس تحرير جريدة "الدستور" المصرية الخاصة الصحافي إبراهيم عيسى في القضية المعروفة ب"صحة الرئيس"، أجواء التوتر بين مجموعة من الصحافيين ومؤسسات الدولة، إذ اعتُبر الحكم"عدواناً على حرية الرأي"، ووصفته مؤسسات حقوقية ومفكرون بأنه"انتكاسة لهامش الديموقراطية". ويثير الحكم المرتبط بنشر عيسى إشاعات عن صحة الرئيس حسني مبارك، مخاوف من عودة الحبس في قضايا النشر خصوصاً وأن أروقة المحاكم لا تزال تشهد تداول قضايا متهم فيها رؤساء تحرير أشهرها القضية المتهم فيها عيسى ورؤساء تحرير جريدة"صوت الأمة"السابق وائل الإبراشي و"الكرامة"السابق عبدالحليم قنديل و"الفجر"عادل حمودة بتهمة"سب وقذف رموز الحزب الوطني الحاكم". وتستمع المحكمة اليوم إلى دفاع المتهمين في الاستئناف ضد الحكم بحبس كل منهم عاماً وتغريمهم 20 ألف جنيه. وتنظر محكمة أخرى السبت المقبل في قضية مرفوعة من شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي ضد حمودة يتهمه فيها بإهانته، بعدما فشلت محاولات نقابة الصحافيين استرضاء شيخ الأزهر الذي أصر على معاقبة الصحافي وفق أحكام القانون. ويؤكد عضو مجلس نقابة الصحافيين جمال فهمي أنه لو نُفّذت أحكام بالحبس في هذه القضايا فإن"فصلاً جديداً من المواجهة سيفتح بين الصحافيين خصوصاً والمجتمع عموماً وبين الدولة". ويعرب عن قلقه من أن الحكم ضد عيسى يفتح الباب أمام سلسة من الأحكام ضد الصحافيين و"موجة من التنكيل بهم، مثلما حدث في أواخر التسعينات حين سُجن بضعة صحافيين كنت واحداً منهم". إلا أن هناك من يرى أن ثمة"تجاوزات"من صحافيين تقتضي عقوبات، ولا غضاضة في تطبيق القانون عليهم طالما أخطأوا، وهو الكلام الذي يلمس فيه الأمين العام للنقابة حاتم زكريا"نوعاً من المنطقية"، لكنه يصر على إلغاء الحبس في قضايا النشر"تحصيناً للصحافي في المستقبل". ويقول زكريا إن الرئيس مبارك متفهم ومقدر لدور الصحافة"ولا يقف أمام الانتقادات التي تطاله وأفراد أسرته في الصحف الخاصة والمعارضة والتي يأتي بعضها في غير محله، لكن في المستقبل قد يستخدم الحبس لقمع حرية الرأي، لذا نحن نطالب بإلغائه". غير أن زكريا يؤكد أن الصحافيين عليهم واجبات يجب أن يراعوها مثلما لهم حقوق يطالبون بها، ويطالب باحترام ميثاق الشرف الصحافي بأن"لا يتهم الناس بغير دليل ... فليس لمجرد أنك صحافي يكون من حقك الانتقاد بغير بيّنة". ويرى زكريا أن عقوبة الغرامة قد تكون رادعاً وكذلك ميثاق الشرف الصحافي. لكن جمال فهمي يعتبر أن"الملاحقات القضائية"هي ما يعيق تطبيق ميثاق الشرف الصحافي"فطالما سجن الصحافي على خطأ ارتكبه كيف تعاقبه النقابة إدارياً؟". وإن اعترف فهمي بتجاوزات صحافية، إلا أنه يرى"انتقائية في التعامل معها". ويقول:"تجاوزات الصحف القومية التابعة للدولة مسكوت عنها، أما المعارضة فيتم تصيد الأخطاء التي تقع فيها من أجل سجن صحافييها، وتقارير النقابة تشير إلى أن تجاوزات الصحف القومية أكبر من المعارضة والمستقلة، إذ تستخدم لتشويه خصوم النظام من دون عقاب. وميثاق الشرف الصحافي كفيل بوقف هؤلاء وأولئك، لكن الدولة غير راغبة في تفعيله وبترسانة القوانين السالبة للحريات تعيقه". ولا يزال مجلس النقابة ينتظر الرد على طلبه من النائب العام عبدالمجيد محمود وقف تنفيذ الحكم واجب التنفيذ بحبس إبراهيم عيسى شهرين، لحين نقضه، بعد إدانته ب"نشر أخبار وبيانات كاذبة"عن صحة الرئيس حسني مبارك"على نحو أضر بالاقتصاد القومي"، وهو الحكم الذي أثار"قلق"نقابة الصحافيين واعتبرته، بحسب بيانها،"يثير مزيداً من الشكوك حول الهامش المتاح لحرية الصحافة في مصر"، كما أعربت عن خشيتها من أن يكون الحكم"بداية للعودة للسير في الاتجاه المضاد لحرية الرأي والتعبير". وفي هذا الإطار، يقول جمال فهمي"إننا سنواجه هذه الموجة من العدوان على حرية التعبير قانونياً وسياسياً، فسنستمر ندافع عن زملائنا في ساحات المحاكم وسنبحث في تنظيم احتجاجات على نطاق واسع إن عاد شبح الحبس في قضايا النشر".