في ذكرى مرور عشر سنوات على رحيل الشاعر البريطاني تيد هيوز احتُفي به بطرق عدة، كان أبرزها الإعلان عن شراء المكتبة البريطانية لأرشيفه الكامل بمبلغ نصف مليون جنيه إسترليني، بصفته جزءاً من التراث الوطني. المكتبة لم يفتها إقامة أمسية شعرية شارك فيها أصدقاؤه وبعض المهتمين بشعره، أبرزهم صديقه المقرب شيموس هيني الشاعر الارلندي الحاصل على نوبل قبل سنوات. وعلى رغم تعدد الفعاليات التي تذكرته، والسنوات العشر على رحيله ومرور 45 سنة على رحيل زوجته الأولى الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث، فان مأساة انتحارها خيمت على الذكرى وأعادت فتح ملف العلاقة بين أشهر زوجين شاعرين عرفتهما الثقافة الغربية المعاصرة. اشتمل ارشيف تيد هيوز، كان في حوزة زوجته الثالثة كارول هيوز على مجموعة كبيرة من المسودات والمفكرة اليومية والتعليقات التي كتبها حول أمور حياته والأفكار الخاصة التي لم ينشرها في كتاب من قبل، مثل يومياته التي تركها عن هوايته المحببة صيد السمك، إضافة الى الصور الخاصة. هناك أيضاً مئات الرسائل المتبادلة بينه وبين أصدقائه وناشريه وغيرهم، ضمن أرشيف توزع على 220 ملفاً وصندوقاً، اعتبره جيمي اندروز، مسؤول المخطوطات الحديثة في المكتبة البريطانية، مهماً لدارسي الشعر في القرن العشرين وستكون الوثائق متاحة للدراسين نهاية السنة المقبلة. من ركام الأرشيف الضخم، لم تعرض للزوار سوى مسودات مجموعته الشعرية رسائل عيد الميلاد، هي المجموعة التي اختتم بها نتاجه الأدبي وصدرت قبل رحيله عام 1998 اثر مرض عضال. وأهمية هذه المجموعة تحديداً، انها جاءت بعد صمت طويل رفض خلاله هيوز التعليق علانية على انتحار سيلفيا بلاث، وعلى اتهام البعض له أنه السبب في موتها المبكر، أو بتدخله في كتابتها غير المنشورة بعد موتها، خصوصاً حرقه للجزء الأخير من يومياتها عن حياته معها وقبل موتها بحجة خوفه على طفليهما من محتواها. تحرر سيكولوجي كانت مشاعره كلمات مخنوقة في صدره يجب ان تخرج قبل فوات الأوان، وخرجت على شكل قصائد ولو متأخرة. ويكشف الأرشيف عن رسالة كتبها الى الشاعرة البريطانية كاثلين رين، قبل رحيلها، يشرح فيه سبب تأخر صدور قصائده هذه بقوله"كانت القصائد غير مكتملة"نية"، ولا تصلح للنشر. ولو أني انتهيت منها مبكراً، لكنت نعمت يحياة سيكولوجية افضل طوال الثلاثين سنة الأخيرة من حياتي". كما كتب لشيموس هيني عن تلك القصائد معلقاً ان كتابتها ونشرها كانا"مسألة حياة أو موت". وفي هذا الكلام ما يشي بتأنيب الضمير حيال انتحار زوجته الشاعرة الأميركية عن عمر 31 سنة بعد علاقة دامت تسع سنوات، عايشا فيها تجربة صاخبة بدأت بالحب وهما طالبان في جامعة كيمبريدج، وانتهت بخلافات حادة سببها حساسية الإبداع عند كليهما وشكوك سيلفيا بعلاقة هيوز بنساء أخريات، حتى هجرها نهائياً وارتبط بأخرى تدعى آسيا، التي انتحرت هي أيضاً بعد انفصاله عنها، لكنها أخذت معها ابنتهما هذه المرة. بعد الرحيل المأسوي لرفيقته وزوجته المرأة الواعدة في الإبداع التي وشت قصائدها بمشروع شاعرة كبيرة، انتظر هيوز سنوات قبل ان يعود هو لكتابة الشعر، الذي بدا انه هجره، ليتفرغ للإشراف على إصدار بعض نتاج زوجته المنتحرة. مفاجأتان للزائر تكشف مسودات"رسائل عيد الميلاد"عن وجود قصائد أخرى كتبها تيد هيوز ضمن تلك الأجواء ولم تنشر، بل اكتفى باختيار 88 قصيدة فقط، تاركاً ما يعادل النصف من دون نشر، لأنه رغب في التركيز على الفترة الأخيرة من علاقته بسيلفيا بلاث. غير ان المتروك في المسودات بات متاحاً لمن يرغب من الدراسين في الاطلاع عليه، وبحسب مدير المخطوطات، فإن تيد هيوز ما كان سيمانع بإخراجها للعلن، فقد تخلص أساساً من الكتابات التي لم يرد ان يطلع عليها أحد من أولاده وأحفاده. هناك مفاجأتان تنتظر الزائر لركن"رسائل عيد الميلاد"، الأولى في ان الاسم الأولي للمجموعة كما ورد في المخطوطة كان في الأساس"أسف الغزال"، وهو عنوان لم يكن جذاباً، ربما، للناشر، فاتفق مع الشاعر على تغييره. أما المفاجأة الثانية، فهي رؤية مسودات القصائد وقد كتبت على أوراق مستعملة اشتراها هيوز من مدرسة قريبة من بيته، إذ لم يكن يستهلك الورق الجديد لكتابة المسودات الأولية. لذا تظهر بعض قصائده على دفتر فروض درس التاريخ لأحد التلاميذ، الذي سيسعد ولا بد برؤية دفتره معروضاً في المكتبة البريطانية بعد كل تلك السنوات. وعلى رغم ان هيوز لم يدون تاريخ كتابته لمسودات تلك القصائد، الا ان خبراء الخط يقولون انها تعود الى عشر سنوات قبل صدور المجموعة، فالمدقق في الأرشيف يلاحظ التغير الذي طرأ على خطه، من مضغوط ورفيع كخيوط العنكبوت، الى حاد وعريض. من بين الأشياء التي وجدت في أرشيف الشاعر البريطاني، نسخة من رواية سيلفيا بلاث الوحيدة"المرطبان الجميل"وكانت صدرت عام 1963 قبل وفاتها تماماً، باسم مستعار هو فيكتوريا لوكاس، قبل ان يعاد نشرها عام 1966 باسمها الحقيقي. الرواية اقرب الى سيرة ذاتية تتطابق فيها الشخصية الرئيسة مع شخصية بلاث المريضة النفسية المصابة بالاكتئاب. في هذه الطبعة الجديدة التي صدرت لاحقاً، حاول هيوز ان يكتب على نسخته تعليقاً على الغلاف الداخلي يعبر فيه عن فرحته بصدور الطبعة، ولكن التعليق بقي غير مكتمل، كأنه لم يجد من الكلمات ما يكفي لوصف مشاعره. في الارشيف المتملك من المكتبة البريطانية، قصائد غير منشورة كتبها هيوز عن اصدقائه، ومنهم المخرج المسرحي البارز بيتر بروك الذي اشتغل معه على عمل مسرحي في الستينات، وفي القصيدة يشبه هيوز عينا المخرج بتلك التي لطائر النورس. ولد تيد هيوز لعائلة تعيش في مقاطعة ويست يوركشر، لكنه بعد زواجه الثالث عام 1970 وارتباطه بزوجته كارول التي تنتمي الى مقاطعة ديفون، استقر هناك بقية حياته وتمتع بطبيعتها الخلابة، وكتب يدافع عن البيئة ويتغزل بمفرداتها من زهور ومياه وما شابه. من هنا قررت المقاطعة الاحتفاء به بنشر 16 قصيدة من قصائده من وحي علاقته مع المكان. القصائد وزعت على ممشى في حديقة"ستوفر كاونتري بارك"... حتى المنحوتة التي تعد نصباً تذكارياً له تطل على نهر تاو القريب. كما تم تصميم مقعد من خشب الاشجار أطلق عليه كرسي"راوي الحكايا"جلست عليه أرملته كارول في اليوم الذي صادف ذكرى رحيل الشاعر، تقرأ لمجموعة من الأطفال بعضاً من النصوص التي كتبها للصغار، علماً بأن بلدية المنطقة أنشأت ممشى خاصاً بهم في الحديقة البارك ذاتها تحمل قصائد تيد هيوز التي كتبها للأطفال. اختير تيد هيوز شاعراً للبلاط في بريطانيا عام 1984 واستمر يحمل هذا اللقب حتى رحيله. كتب للأطفال الرواية والأشعار. حصل على جائزة ويتبريد عامين على التوالي 1998/ 1999 عن"حكايات من اوفيد"، ثم"رسائل عيد الميلاد"التي تسلمتها ابنته فريدا بالنيابة بعد وفاته، وفي العام نفسه منحت له جائزة فوروورد عن المجموعة نفسها. وقبل أيام تم منحه مُنح جائزة"المرت بويتري"المخصصة للشعر كنوع من المساهمة باحتفالية ذكرى رحيله العاشرة.