دعوة الى حضور أمسية موسيقية - ثقافية فنزويلية. ثمة ما يثير الحماسة، انها فرصة للتعرف الى عادات بلد وتقاليده، بلد بعيد منا ومختلف بلغته ونظرته الى الفولكلور والفنون الشعبية. أمسية فنزويلية احتضنها مسرح قصر الأونيسكو في بيروت مساء أول من أمس وقدّمتها فرقة"جوالة الثقافة الشعبية". بدت القاعة زاهية بالألوان وبأنفاس ولكنة أقرب الى الغناء منها الى الكلام الاسبانية هي اللغة الرسمية في فنزويلا. على المسرح مجموعة من الموسيقيين يرتدون أزياء سوداً، حاملين آلات موسيقية لا تستعمل عادة في الموسيقى العربية كالكوارتو والبندولا والمندولين والماراكاس والتشارسكا، وما يميّزها أنها تشكل أدوات الموسيقى الفنزويلية. تتكون الفرقة من مجموعة الخبرات التي يحملها أعضاؤها المنغمسون جميعاً بالحياة اليومية والتقاليد التي تُميز كل منطقة. وبتوحيد هذه الجهود، تمكنت الفرقة من جمع الآلات والأصوات والرقصات لإضفاء لون خاص لدى تقديم العروض. لا يعتمد الغناء الشعبي الفنزويلي رهافة الصوت أو قوته بقدر اعتماده الأداء والنطق السليم، اذ إن المغني بيدرو كاراسكيل الذي قدّم أغنيات عدّة في الأمسية لم يتميز بصوت جميل، بل بطريقة أدائه وتفاعل الجمهور معه، ومدى حركته على المسرح. واذا فصلنا الموسيقى عن الغناء في الامسية، يظهر الفارق واضحاً. الموسيقى ليست صاخبة أو هادئة، بل هي أنغام تلامس الروح وتدعوها الى الرقص. تبادل في الأدوار بين الموسيقيين، وارتجال يظهر براعة كل فرد على حدة. وعلى أنغام البندولا والمندولين، عُرضت مجموعة من الصور تظهر طبيعة السهول الفنزويلية وجمالها. وثمة ارتباط بين الرقصات التقليدية في فنزويلا والحيوانات، قد يكون نابعاً من التعامل اليومي معها، كأن يتمايل راقص يلبس ثوباً يخرج منه رأس حمار وذيل قصير، ويلاحقة بقية الراقصين ليداعبوه ويضحكوه. هذه الرقصة تقدم في الاحتفالات الشعبية في القرى الفقيرة. ملكة الفولكلور الفنزويلي ماري أنجيلا لينارس غنت ورقصت وعزفت على كل الآلات الموسيقية. فتاة في مقتبل العمر، تميزها موهبتها وملامحها الساحرة وعذوبة صوتها، مثلت بلدها في عديد المهرجانات في أميركا الجنوبية. ويتشابه ما قدّمه المغنيان رينيه لارا وبيدروكاراسكيل من شعر ارتجالي مغنّى، مع الزجل أحد أنواع الغناء اللبناني الشعبي الذي يقوم على التنافس الكلامي الموزون وفق ايقاع هادئ، بيد أن"الزجل الفنزويلي"يعتمد سرعة الأداء الكلامي مترافقاً مع ايقاعات صاخبة، وحوار بين مغن ومغنية شرط أن يغلب أحدهما الآخر كلامياً في نهاية المطاف. تبتعد الأغاني الشعبية في مواضيعها عن الحب والملذات، وتركز على الأرض والثورة والوطنية والفقر والعمل. ومن الأغاني التي قُدّمت واحدة مهداة الى نهر يجتمع على ضفتية يومياً صيادو السمك باحثين عن رزقهم. نوع من الأغاني قلّما نسمعه في أغانينا الشعبية. واذا أردنا أن نفصل الفرقة عن المكان الذي قدّمت فيه الأمسية، نرى مجموعة من الفنزويليين يمارسون حياتهم اليومية بملابسهم وأغانيهم وتقاليدهم. أزياء شعبية بسيطة بلا تكلف أو إبهار ارتادها اعضاء الفرقة معتمدين الموهبة والابتسامة لتقديم عرض يحملنا معه الى سهول البلد البعيد وحقوله وأنهاره. جمع الأقطاب الاربعة من الجغرافيا الفنزويلية، قدّم نموذجاً موسيقياً فريداً حملنا الى الشرق بأناشيد البولو ورقصاته، والى الغرب مع اليونا، الرقصة التقليدية الموروثة عن أجداد قبيلة غوايو، ومن الشمال بألوان قرية ياري حيث الدخول الى السهول لرقص الخوروبو النابع من موسيقى الموزارابي، والى الجنوب حيث تأثرت هذه المنطقة التي تقع على حدود البرازيل بإيقاعات الفلامنغو ورقص السامبا والأغاني التي تعبّر عن مأساة شعب يخيم الفقر على حياته. تخطت شهرة فرقة"جوالة الثقافة الشعبية"بلدها، وباتت وجهاً حضارياً مشرقاً في كثير من المحافل الدولية، ومثلت الفرقة فنزويلا في"لقاءات ونقاشات التبادل الثقافي"في مدينة بال في سويسرا، وفي مدينة أوراخستاد في أوروبا، وفي أقاليم السهول الكولومبية وغيرها من البلدان.