تحت عنوان"الموسيقى المصرية القديمة، لنعزفها من جديد"، قدم الدكتور خيري الملط الأستاذ في كلية التربية الموسيقية في جامعة حلوان ومؤسس المشروع القومي لإحياء الموسيقى المصرية القديمة، أمسية ثقافية - فنية في برلين هي الأولى من نوعها خارج مصر شاركه فيها أربعة من خريجي دبلوم الموسيقى الفرعونية في الجامعة. وحضر الأمسية التي احتضنتها قاعة"متحف أدوات الموسيقى"التابع لمعهد البحوث الموسيقية البروسي في العاصمة الألمانية، عدد من الباحثين الألمان في الموسيقى والآثار وجمهور ألماني وعربي تعرّف للمرة الأولى على النشاط الموسيقي العلمي والتاريخي الذي يمارسه الدكتور الملط ومجموعته بالتعاون مع الجانب الألماني في مجال استنباط الأدوات الموسيقية الفرعونية وألحانها ونبش الجذور التي يستند إليها التراث الفني الشعبي في مصر. وقدّمت الخريجة ياسمين حربي عزفاً على آلتي الهارب الفرعونية القديمة والحديثة، كما عزف الخريج فوزي السيد على آلتي العود المصري القديم والحديث المتشابهين، ومحمد ممدوح على آلتي الناي القديمة والجديدة المتشابهتين أيضاً. وغنى عازف الدف محمد ماجد باللغة الهيروغليفية التي تعلمها خلال تخصصه على الموسيقى القديمة في جامعة حلوان. وبعد كلمات تقديم وشرح، عرض الدكتور الملط مشروعه القومي لإحياء الموسيقى القديمة معتبراً أنه يرتكز إلى قسمين: الأول ثقافي - فني، والثاني أكاديمي. وخلال مقارنته بين الفن الموسيقي الفرعوني والفن الموسيقي الراهن في مصر أشار إلى وجود أدلة على الاستمرارية القائمة بينهما، ليس فقط في ما يتعلق بالنشاط اليومي الذي يحكم المجتمع المصري على مدى القرون الماضية، بل في الحياة الموسيقية التي تشمل الموسيقى والرقص والغناء، إضافة إلى حياة الموسيقيين والمغنين. وأعطى أمثلة على ذلك في التشابه القائم في أدوات الموسيقى والإيقاع والسلّم النغمي، ووضع اليدين خلف الأذنين خلال الغناء، والعزف الفطري وتقلّد الحلي خلال العزف والغناء. وأوضح الملط أن العالم ينظر إلى التراث الثقافي الموسيقي في المجتمع المصري القديم كأحد أكبر الحضارات الإنسانية في التاريخ مضيفاً أن الإرث الموسيقى القديم استحوذ على اهتمام الملوك والآلهة في ذلك الوقت، وأمَّن الكهنة الحماية والرعاية له بسبب أهمية دوره الديني في المعابد وتأثيره الشديد في المشاعر. وتابع أن الموسيقى والرقص استُخدما أيضاً في الكثير من المناسبات حيث عكسا الثقافة والتقاليد السائدة وطرق حياة مختلف الفئات الاجتماعية بدءاً من الفرعون ووصولاً إلى أدنى طبقة اجتماعية. وبعد العزف والغناء الذي قدّمه الخريجون على الآلات القديمة والجديدة ، ألقت الدكتورة أكسندرا فون ليفن المتخصصة في علم المصريات محاضرة مكثفة تحت عنوان"استجلاب رنين الماضي: ما هي مصادر معارفنا حول موسيقى مصر القديمة؟"تناولت فيها المصادر المختلفة للموسيقى المصرية اعتماداً على المخلفات الأثرية للأدوات الفعلية التي كانت تستخدم. وقالت أن الأمثلة الموجودة غير قليلة في ما يخص أنواع الأدوات الموسيقية التي كانت تستخدم قديماً وكذلك طرق استخدامها. وعقّب الدكتور ريكاردو آيشمان مدير المعهد الألماني لعلم الآثار والمتخصص في آثار الشرق الأوسط بالقول إنه قبل اكتشاف المخترع اديسون لآلة التسجيل أواخر القرن التاسع عشر لم يكن في الإمكان تخزين الموسيقى، وحتى ذلك الوقت كان اللحن ينتقل من جيل إلى آخر إما بالحفظ أو بتدوين النوته. وفي هذا المجال لفت إلى أن أقدم النوتات المدونة التي وجدت حتى اليوم جرت بالخط المسماري في القرن الرابع عشر قبل الميلاد في منطقة الشرق الأوسط، إنما من مصر الفرعونية لم يظهر بعد أي أثر لنوتات مدوَّنة . ومع ذلك فإن البحوث المختبرية التي أجريت على الأدوات الموسيقية القديمة التي وجدت في مصر، خصوصاً العود والناي، تسمح على حد قول آيشمان باستخلاص سلم النغم والفواصل الزمنية. واتفق المختصون على توقيع اتفاق تعاون مشترك لدعم البحوث الجارية في مجال الموسيقى المصرية القديمة. يذكر ان ماير سينتقل من منصبه كأستاذ في علم المصريات في"جامعة برلين الحرة"الى القاهرة قريباً، لتسلم إدارة المعهد الألماني للآثار.