عاد التصعيد والتوتر ليخيما مجددا على الحدود العراقية - التركية على خلفية العملية العسكرية الأخيرة لحزب العمال الكردستاني التي خلفت عشرات القتلى والجرحى في الجيش التركي. فأنقرة كعادتها سرعان ما قفزت إلى ما وراء الحدود لتهدد وتتوعد أكراد العراق محملة إياهم المسؤولية في استعادة وتكرار للمشهد الذي كان قائما في مثل هذه الأيام قبل عام تقريباً، إبان الأزمة التي افتعلها الأتراك مع حكومة إقليم كردستان العراق والتي لم تتمخض سوى عن المزيد من التأزيم والتعقيد في العلاقات الكردية - التركية إن في تركيا نفسها أو في العراق والمنطقة عموما، فضلا عن فقدان ماء وجه المؤسسة العسكرية والحكومة التركيتين على حد سواء من خلال الفشل الذريع لعملية الاجتياح البري الفاشلة بامتياز للأراضي العراقية قبل بضعة أشهر، بحجة تدمير قواعد العمال الكردستاني واستهداف مراكزه. وهكذا بعد مرور عام كامل لا زالت أنقرة متمسكة بمقارباتها الأمنية الإنكارية ذاتها للقضية الكردية وبتصوير حزب العمال كمجرد جماعة"إرهابية"مدعومة من قوى شريرة على رأسها أكراد العراق تستهدف تعكير صفو الجمهورية التركية السعيدة والتآمر على وحدتها الوطنية المقدسة. وتتم بكل بساطة إعادة ترديد هذه الاسطوانة الممجوجة واجترارها للمرة المليون في ظل تصاعد النزيف الكردي - التركي المتواصل منذ ربع قرن بفعل تعنت الحكومات التركية المتعاقبة ورفضها المطلق لكل مبادرات ونداءات السلام التي يطلقها الجانب الكردي، حتى أن زعماء أكراد العراق ما انفكوا وفي مقدمهم رئيس الإقليم مسعود بارزاني يصرحون باستعدادهم للمساعدة في بلورة حلول سلمية للصراع في حال توافر الرغبة لدى أنقرة للدخول في حوار مع الحركة الكردية في تركيا بغية التوصل إلى حل سلمي وديموقراطي للقضية الكردية المزمنة لديها منذ ثمانية عقود بالتمام والكمال. فرغم أن العملية الأخيرة وقعت في عمق أراضي الجمهورية التركية ومقاتلو حزب العمال ينتشرون بالآلاف في طول جبال كردستان تركيا وعرضها مرتكزين إلى قاعدة جماهيرية حاضنة لهم تقدر بملايين السكان الأكراد في المناطق الكردية وحتى في كبريات المدن التركية كاسطنبول مثلا التي يقطن فيها أكثر من أربعة ملايين كردي، فإن جنرالات تركيا وساستها يصرون على تجاهل حقيقة أن ثمة شعبا آخر غير تركي ضمن حدود هذه الدولة له الحق في التعايش مع شريكه الشعب التركي في إطار من المساواة والعدالة والتعايش السلمي ضمن دولة ديموقراطية تعددية. والخشية هي أن تمضي تركيا هذه المرة أيضا في ارتكاب نفس أخطائها القاتلة في التعاطي مع هذا الملف المتفجر، والتمادي في توريط أكراد العراق وجرهم إلى معمعة مشكلتها الداخلية مع أكرادها في محاولة لتصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج ولاستهداف التجربة الديموقراطية في كردستان العراق. * كاتب كردي