كشفت زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الى المنطقة عن مجموعة من المخاطر الكبرى، أبرزها على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومرجعية التفاوض بالخروج عن قرارات الشرعية الدولية نحو ما يتفق عليه الطرفان، ويهودية الدولة الصهيونية ومحاولة"تأبيد القدس بالتهويد". سبق أن حذرنا وطالبنا بوقف المفاوضات حتى يتوقف الاستيطان بالكامل، وإلا فالمفاوضات عبثية وفي طريق مسدود، وطالبنا بوش عشية الزيارة بوقف توسع الاستيطان بالكامل، وتفكيك البؤر الاستيطانية بدلاً من الانحياز الأميركي لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهودا أولمرت، عملاً ببيان أنابوليس الذي نص على"الوقف الكامل للاستيطان وتفكيك البؤر الاستيطانية في الأرض المحتلة". لقد قفز بوش في"إسرائيل"عن الوقف الكامل للاستيطان، الأمر الذي سيعرض"تفاؤله"للفشل، إسوة بالحلول المجزوءة السابقة، لأنه يتعارض مع حقيقة ما يجري على الأرض من سباق محموم مع الزمن، في أعمال البناء الاستيطاني والاستيلاء على الأرض الفلسطينية، لغرض التوسع في بناء المستوطنات وإقامة الجديد منها، والتصعيد في سفك الدماء الفلسطينية، والاجتياحات والتدمير والخراب في الضفة وقطاع غزة. لقد أنتجت زيارة بوش مخاطر جديدة، على المجموعة السياسية المتنفذة المعبر عنها بفريق أوسلو أن تفحصها جيداً، لاستخلاص العبر والاستحقاقات الإستراتيجية والوطنية الوحدوية المطلوبة. فمن مخاطر الزيارة انطلاق بوش من الرؤية الإسرائيلية للحل التي أكد عليها عام 2004 بوعده شارون بپ"عدم الانسحاب إلى حدود 4 حزيران يونيو 1967، والموافقة على ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل، وعدم الإقرار والقبول بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وديارهم وفق القرار الأممي 194، في سياق"ورقة الضمانات الأمريكية"التي منحها لشارون 14/4/2004، لقد ورد هذا كله في بيانه"إدخال تعديلات على خط الهدنة عام 1949"، والتفريق بين"المستوطنات الإسرائيلية المرخصة وغير المرخصة"والقفز عن القرارات الدولية بما سماه بالأخذ في الاعتبار"الحقائق الجديدة"أي المستوطنات، وبالذات الكتل الكبرى علماً ان الشرعية الدولية قررت ان"كل المستوطنات غير شرعية وغير قانونية". كما حمل إعلان بوش مخاطر على مدينة القدسالشرقيةالمحتلة عام 1967، فقد فرضت اللاءات الصهيونية ذاتها على مجمل رؤيته عندما أكد على"دولة إسرائيل اليهودية"بالمعنى الإثني الإيديولوجي العنصري، ما يستهدف حق العودة للاجئين إلى وطنهم وديارهم، ويثير المخاطر على مستقبل عرب 1948، وبعد ذلك لا يكفي أن يردد على مسامعنا كلمات"دولة فلسطينية مستقلة ومستمرة". في رؤية هذه المعطيات، ستسير الإدارة الأميركية بالتسوية انطلاقاً من الرؤية الإسرائيلية، ومسبقاً نقول لن يكتب لها النجاح، وأمامنا تجربة أوسلو التي وصلت إلى الجدار، بسبب استبعاد المرجعية للشرعية الدولية والقانون الدولي، ومجمل القرارات الصادرة ذات الصلة، والتي كان من الممكن تحديدها كمرجعية للمفاوضات، وتم استبعادها لعدم صدق النية التوسعية الصهيونية إقامة السلام المتوازن والشامل في المنطقة بأسرها. إن السير الفلسطيني في هذه المتاهة، سيعمق الانقسام الداخلي الفلسطيني بدلاً من تجاوزه بما أُجمع عليه وطنياً ممثلاً بإعلان القاهرة في آذار مارس 2005 ووثيقة الوفاق الوطني في 26 حزيران يونيو 2006. ستعمل الإدارة الأمريكية على تنفيذ هذه الرؤية الإسرائيلية - الأميركية للحل، فالتدخل الأميركي لصالح إسرائيل بارز، وما زال المفاوض الفلسطيني فريق أوسلو يواصل بعثرة أوراق القوة الفلسطينية الوحدوية وسيجد نفسه في نهاية الأمر أمام الورقة الأميركية الوحيدة التي لا يمكن للشعب الفلسطيني القبول بها، إذ لن يوافق على ابتلاع حقوقه في الأرض والعودة والقدس مقابل ما يمكن تسميته دولة - كيان مجرد من السيادة، منزوع السلاح، لا يسمح له بالسيطرة على أجوائه ومعابره وموارده. إن المطلوب هو تحقيق الرؤية الفلسطينية، لا رؤية بوش، رؤية إنجاز أهداف العودة والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، والرؤية الوطنية الديمقراطية في الوحدة الوطنية وتنفيذ مستلزماتها وبناء مؤسساتها. إن تشكيل لجان مفاوضات"الحل النهائي"بعيداً من مرجعية قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وغياب المرجعية الوطنية العليا المشتركة لإدارة كل العمليات السياسية التفاوضية، يدفع الى المراوحة مجدداً تحت سقف الرؤية الأميركية - الإسرائيلية الصهيونية للتسوية، ليصل إلى الجدار أسوةً بحلول أوسلو وكامب ديفيد2، ويترافق ذلك مع التهديدات التي يطلقها اليمين الصهيوني العنصري المتمثل بحزب"إسرائيل بيتنا"الذي يرأسه العنصري افيغدور ليبرمان وقراره بالانسحاب من الحكومة إذا ما باشر أولمرت مفاوضات الحل النهائي، وفي ظل استصدار قوانين في الكنيست تقوض أي انسحاب إسرائيلي من القدسالمحتلة عام 1967، ومن غور الأردن، ودون أن نغفل إمكان دخول إسرائيل في انتخابات مبكرة، على ضوء نشر"تقرير فينوغراد"نهاية الشهر الجاري، ما يعني تأجيل المفاوضات، واستثمار الحكومة الصهيونية المهلة في تسارع محموم مع الاستيطان، وما يسمى"خلق حقائق على الأرض". يمكن الملاحظة بسهولة أن من بين أهداف زيارة بوش دعم أولمرت، في الكلمات الحميمة الشخصية، لتعزيز فرص بقائه في الحكم بعد صدور"تقرير فينوفراد"الذي يهدد الحكومة بالسقوط، وبدون نتائج"فينوغراد"وبحسب استطلاع نتائج"مؤشر السلام الأكاديمي"الذي تجريه كل شهر جامعة تل أبيب، ونشرته صحيفة"هآرتس"مطلع الشهر الحالي، فإن الزيارة وحفاوة الكلمات المتبادلة، تحمل في معنى من معانيها دعم أولمرت، الذي يطالبه الرأي العام الإسرائيلي بالاستقالة، بنسبة 66 في المئة من إجمالي"الإسرائيليين"، و55 في المئة من المصوتين لحزب"كاديما"الحاكم، علماً ان لجنة"فينوغراد"ستنشر تقريرها في 30 كانون الثاني يناير الجاري، عن نتائج تحقيقها في إخفاقات القيادة الإسرائيلية خلال العدوان على لبنان في صيف 2006. كما يمكن الملاحظة أن ائتلاف اليمين ويمين الوسط الصهيوني الحاكم راهناً يعمل تحت إملاءات اليمين الصهيوني العنصري المتطرف "إسرائيل بيتنا"وحزب"شاس"، اللذين يفرضان أجندتهما على هذا الائتلاف الصهيوني، أما اليمين ويمين الوسط "كاديما"وحزب"العمل""وكلاً منهما له أسبابه"فقد دخلا أولمرت وباراك في سباق على تنفيذ سياسة التوسع الصهيونية، ويدل على ذلك موقف أولمرت ودخوله السباق مع اليمين الصهيوني التقليدي"ليكود"واتهامه زعيم هذا الحزب المتطرف نتنياهو بأنه قد خضع لإرادة الولاياتالمتحدة، وفرط في التراث التوسعي المسمى زوراً في أدبيات اليمين الصهيوني"أرض إسرائيل التوراتية". إن موجبات واستحقاقات دولة فلسطينية سيادية على أراضي عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، تعني أولاً العودة إلى مرجعية قرارات الشرعية الدولية كمرجعية ملزمة، وتحقيق ضمانات دولية وآلية ملزمة، وجداول زمنية محددة وملزمة، وتوقف المسلسل الدموي والمجازر، والتوسع الاستيطاني، والانصياع لقرارات محكمة العدل الدولية في شأن الجدار العنصري، ووقف العقاب الجماعي والعدوان على حقوق الإنسان المنهجي اليومي، وحصار قطاع غزة. ما العمل؟... كيف يمكن أن تستجيب إسرائيل للحقوق الفلسطينية؟ كي نخرج من التوقعات الضئيلة والكارثية، يجب عدم بعثرة أعمدة القوة الفلسطينية وتبدأ ذلك أولاً: بإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية وفق إعلان القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وفق التمثيل النسبي الكامل وانتخاب مجلس وطني جديد وموحد لمنظمة التحرير في الوطن والشتات بالتمثيل النسبي، وتشكيل مرجعية وطنية عليا للإشراف على كل العمليات السياسية والتفاوضية، وثانياً: التمسك بالشرعية الدولية كمرجعية للمفاوضات، وصولاً إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تحت رعاية الأممالمتحدة والالتزام بجميع قراراتها في شأن الصراع، والتوجه إلى الأقطاب الدوليين روسيا والصين، ومطالبة الاتحاد الأوروبي بالذات بالقيام بدور مستقل وفعال لحل الصراع في الشرق الأوسط، بتحرير سياسته في هذه المنطقة من هيمنة الولاياتالمتحدة، والخروج من نقده الصامت للأوضاع القائمة إلى النقد العلني. إن القضية الفلسطينية هي واحدة من أكبر قضايا التحرر الوطني وأكثرها عدلاً في التاريخ الحديث، كما أنها أكثرها تعقيداً. كيف من الممكن في حال من الأحوال أن لا يكون لها منذ أوسلو 1993 حتى اليوم استراتيجية عمل سياسية وطنية وحدوية على مستوى كيانها ومؤسساتها، حيث لا يمكن لأحد أن يعبث بمقدراتها صغيرة كانت أم كبيرة. المطلوب يقظة قبل وقوع أية كوارث، والمطلوب الخروج من بؤس عقلية"طبقة"أوسلو والطريقة التي تقود بها الشأن الوطني، الى كوارث أحاقت بالقضية وانحدرت بها فتدهورت الوطنية الفلسطينية داخلياً وخارجياً. آن الأوان للخروج من هذا النفق، بالعودة للوحدة الوطنية عبر إعادة تركيز بؤرة البصر والنظر إلى الشعب الموحد في الأرض المحتلة بتراجع"حماس"عن انقلابها العسكري، والذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة نتوافق جميعاً على سقفها الزمني، وانتخابات مجلس وطني جديد موحد لمنظمة التحرير داخل فلسطينالمحتلة وفي أقطار اللجوء والشتات لإعادة بناء وحدة الشعب الفلسطيني وفق قوانين التمثيل النسبي الكامل، وبناء استراتيجية عمل سياسية، وإستراتيجية ديموقراطية، وحدوية، مقرة جماعياً سياسياً وتنظيمياً، والخروج من شل المقدرات والقدرات الفلسطينية الشعبية على الصمود ومواجهة الحصار والعدوان. وإذا لم نستخلص ذلك، فإن الوقائع المقبلة ستعرض القضية الفلسطينية لمزيد من التدهور والضعف والفوضى والفلتان. إن مخرج الإنقاذ العام هو العمل سريعاً وبحيوية وإخلاص كافيين من أجل إعادة توحيد الموقف الوطني والصف الفلسطيني. والمثل الشعبي الفلسطيني يقول:"اللي ما بيشرب من كفه ما بيرتوي"، أي وفق الإستراتيجية السياسية البرنامجية التي تكفل مواجهة الإستراتيجية الإسرائيلية. الوحدة الوطنية الفلسطينية تغدو الآن المهمة الفلسطينية الكبرى، إنهاء الانقسام الداخلي، ونحن نناضل من أجل ذلك، فلقد تقدمت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بالمبادرة الشهيرة في 4 تموز يوليو 2007، أي بعد الحرب الأهلية التي وقعت بجولاتها السبع في قطاع غزة، واستيلاء"حماس"على القطاع بالقوة المسلحة، ثم مبادرة مشتركة بين الجبهة الديموقراطية والجبهة الشعبية، وبعد اجتماع رباعي مع"حماس"ضمّ الديموقراطية والشعبية والجهاد الإسلامي وحماس برئاسة محمود الزهار، طلب الزهار أن تبلور أفكاره الديموقراطية والشعبية بمبادرة لإعادة بناء الحوار بين"حماس"وفتح، وقدمت المبادرة فعلاً في 27 تشرين أول أكتوبر 2007، ولكن يحزنني أن أقول إن"فتح"وپ"حماس"ليستا ناضجتين وجاهزتين لاستئناف الحوار الوطني الشامل، ولكل منهما شروطه."حماس"تشترط أن تعترف"فتح"وكل القوى الفلسطينية بالأمر الواقع الذي تشكل في انقلاب غزة، وتفكيكها للأجهزة والمؤسسات السياسية والأمنية والقضائية، وتسمي هذا"أمراً واقعاً"، كذلك تدعو لحوار مع"فتح"دون شروط أي بشروط"حماس"شروط الأمر الواقع، وهذا لا يمكن أن يتحقق، كما أن"فتح"كذلك تقول بدورها إنها لن تعود للحوار مع"حماس"، إن لم تعد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 14 حزيران يونيو 2007. أمام هذا كله"ندعو للتالي: أن تعود"حماس"عن انقلابها العسكري وتسلم المقرات الأمنية والسياسية للسلطة الفلسطينية، وتعود"فتح"والسلطة عن قرارها"لا حوار مع حماس"، ونلتقي على طاولة الحوار الوطني الفلسطيني الشامل لنطبق وثيقة الوفاق الوطني وإعلان القاهرة وفي المقدمة تشكيل حكومة انتقالية برئيس وزراء مستقل وشخصيات مستقلة، نتوافق عليها جميعاً عملاً بوثيقة الوفاق الوطني، كمرحلة انتقالية تشرف على تسيير الأعمال بدلاً من الحكومتين"حكومة سلام فياض والحكومة المقالة حكومة إسماعيل هنية، وتشرف أيضاً على الإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة بموجب قوانين التمثيل النسبي الكامل التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني، وقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير في 20 حزيران 2007 وتموز 2007. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين