أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش برام الله، متفائلاً، إثر مباحثاته في القدس، أن الاتفاق على سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل نهاية السنة الجارية، متاح. ولكن تقويمه آفاق التسوية الداخلية بين الفصائل الفلسطينية كان حذراً جداً. فالرئيس الأميركي غير واثق من اقتدار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على حل القضية في المستقبل القريب. ولم يكن متوقعاً أن تتمخض زيارة بوش الأولى إلى الأراضي المقدسة عن نتائج ملموسة. وبدا أن المشكلة الإيرانية تشغل بال الإدارة الأميركية أكثر من التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية. وصب الإيرانيون النار على الزيت، فنشروا رواية غامضة لپ"احتجاز"سفن أميركية في مضيق هرمز. وسارع بوش الى استغلال الحجة، وانهال بسيل جديد من التهجمات على طهران. وتبين أن الموضوع الإيراني ممتع لأكثر الصحافيين والباحثين السياسيين، وتتقدم متعته على الآفاق الغامضة للتسوية الفلسطينية - الإسرائيلية. والحق أن بوش لم يقترح، إبان زيارته جديداً. والوضع في الشرق الأوسط، اليوم، تغلب عليه المواجهة بين إيران والولايات المتحدة. ولكن المثير أن إنجاز اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أصبح في نظر بوش، في ضوء المواجهة هذه مسألة مبدئية. وكلما استفاض الرئيس الأميركي في الكلام على الدولة الفلسطينية، تعاظمت ثقته في الأمر. وفي غضون وقت قصير، قد يكون جاهزاً للقسم على الإنجيل! وقد بذل سياسيون وديبلوماسيون محنكون أكثر من بوش جهوداً كبيرة في التسوية السلمية. ولكن بوش، بجرأة"الكاوبوي"التي يتصف بها، قد يحرز نجاحاً، مهما كان الأمر غريباً. فخلافاً لپ"صناع السلام"السابقين لن تعوقه"التفاهات"، مثل انقسام الفلسطينيين وسياسة إسرائيل الاستيطانية وقصف الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة، إلخ. وسلك بوش النهج هذا للإطاحة بنظام صدام حسين في العراق من أجل"المثل الديموقراطية"، ومن غير الدخول في تفاصيل الحياة في هذا البلد بعد الغزو الأميركي. فصدام هو"الشر نفسه"، والحرية والديموقراطية هما"الخير". وهو يسترشد هذا المنطق نفسه عند تناول التسوية الفلسطينية ? الإسرائيلية. فاتفاق السلام شيء رائع، وإقامة الدولة الفلسطينية حتمية موضوعية، فلماذا لا يحصل هذا الآن؟ وهذا انتصار معنوي يحرزه بوش على"قوى الشر"-"حماس"وپ"حزب الله"وپ"القاعدة"والمنظمات الإرهابية الكثيرة التي تمارس نشاطها في العراق وفي أنحاء الشرق الأوسط. ويتصدر هذا كله الانتصار على إيران. ولا يقترح بوش في الأثناء، معالجة جديدة. فقبله، رسمت مراحل التسوية في الشرق الأوسط مرات كثيرة. ولكن في وسع إصرار بوش جعل المستحيل ممكناً. ويبدو السؤال"كيف؟"، في ضوء حماسة بوش، غير مناسب. ولا بأس بتنحية التكهنات، ليس عن توقيع الفلسطينيين والإسرائيليين الاتفاقات، وإنما عن سير الوضع بعد التوقيع. وتخطر المقارنة مع العراق. فيومها تحققت أعتم تكهنات الخبراء عشية غزو قوات التحالف. ولكن، لم يكن ثمة معترض على ضرورة الإطاحة بنظام صدام، وقتذاك. وثمة واقع جديد من الضروري معالجته. والأمر على هذا النحو في شأن القضية الفلسطينية ? الإسرائيلية. وما يتعين فعله، من أجل تجنب تكرار الأخطاء المرة التي ارتكبت في العراق، هو القيام بإعداد خطة عمل مفصلة للمستقبل. فهل هذا متيسر؟ من المستبعد. وبوش يتكلم على"تنازلات مؤلمة"يتعين على الفلسطينيين والإسرائيليين القبول بها في المسير الى السلام. وعلى رغم هذا، ينبغي، في القريب العاجل، معالجة عواقب السلام المؤلمة جداً. عن ماريا أباكوفا،"نوفوستي"الروسية، 11/1/2008