قبل أسابيع، استضاف برنامج "وجهة نظر" الذي يقدمه جيمس زغبي على "قناة أبو ظبي" الفضائية، السيد إدوارد ووكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق والسفير السابق في عدد من الدول العربية، في حوار عن أزمة العراق الراهنة وسياسة الولاياتالمتحدة الأميركية. وفي معرض رده على أحد المتصلين من المشاهدين المعترضين، بانفعال واضح، على ازدواجية المعايير في تعامل الولاياتالمتحدة مع العراقوكوريا الشمالية، قال السفير السابق، في برودة أعصاب الديبلوماسي المخضرم: إن من الطبيعي ازدواج المعايير في العلاقات الخارجية مع الدول المختلفة، فالموقف من العراق له تكلفة مختلفة عن تلك المترتبة على الموقف من كوريا الشمالية، في ما يتعلق باستعداد دول الجوار لتحمل تبعات المواجهة مع الجارة "المارقة". ففي بساطة تُطرح جانباً المبادئ والقيم التي تحاول الولاياتالمتحدة جاهدة أن تستر بها عورة أطماعها في المنطقة، وتُختزل المسألة في استثمار الخيار، وعائده. فإذا علمنا أن تكلفة حشد القوات الأميركية البحرية والبرية والجوية في منطقة الخليج جاوزت بلايين من الدولارات الى الآن، وأن رأس مال سياسياً وإعلامياً ضخماً وظفته الولاياتالمتحدة في تجييش الحكومات والشعوب دعماً لقضيتها، لم يبق شك في أن أميركا ماضية في حربها على العراق، بصرف النظر عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وموافقة الأممالمتحدة. فما هي العوائد التي تجنيها أميركا من عدوانها على العراق، وتبرر هذا الإنفاق السخي؟ انها كثيرة بلا شك. فعلى الصعيد الاستراتيجي، يوفر العراق موطئ قدم غاية في الأهمية، من حيث موقعه المشرف على إيران، وهي إحدى دول "محور الشر" بحسب الرئيس الأميركي بوش، والمتاخم لسورية، وهي الدولة المدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، والأكثر تمرداً على الصيغة الأميركية - الإسرائيلية لعملية السلام في الشرق الأوسط. فضلاً عن وضع الثروة المائية العراقية الوفيرة تحت التصرف الأميركي، لخدمة المشاريع الطويلة الأمد مثل جر مياه دجلة والفرات الى دولة الكيان الصهيوني والجزيرة العربية، في شرق أوسط جديد يعاد تشكيله بما يخدم المصالح الأميركية. والوجود العسكري الأميركي في العراق قاعدة انطلاق خلفية توفر الدعم والإسناد لعمليات الجيش الأميركي في أفغانستان. أما على الصعيد السياسي، فتعزز أميركا مكانتها كزعيم العالم الأوحد الذي لا يرد له قرار، ولا يرفض له طلب، على حساب تراجع مكانة الاتحاد الأوروبي وروسيا ومؤسسات المجتمع الدولي، وعلى رأسها الأممالمتحدة. وهي يشهد الكونغرس الأميركي دعوات للانسحاب منها، وتهميش دورها. ومع فقدان العمق العربي المعارض للتسوية السلمية، يقدر بوش، ومن ورائه شارون، على إملاء شروطهما على السلطة الفلسطينية وسورية ولبنان في مشهد مكرر ومؤلم لمؤتمر مدريد. فيرشح العراق لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم. ويكون للتلويح بالورقة الكردية أبلغ الأثر في استجابة سورية وإيران، وحتى الحليفة تركيا، استحقاقات المرحلة الجديدة كما تريدها أميركا. وتكثف الإدارة الأميركية جهودها الرامية الى تسريع احداث تغييرات هيكلية في دول الخليج العربي بعد أن يوفر العراق تأمين تدفق النفط، والاشراف المباشر على رقعة أكبر من مناطق احتياطه، فلا تضطر للاستجابة للحساسيات السياسية في المنطقة، وهي تجسدت في رفع سقف القيود والمطالب. ولا يتوقع أحد أن تتحول أميركا الى لص اعتيادي يقوم بالسطو جهاراً على البترول العراقي، بعد الإطاحة بنظام صدام، ولكن أحداً لا يشك في أن شركات البترول الأميركية لها الأولوية، وربما الحقوق الحصرية، في الحصول على امتيازات تطوير حقول النفط العراقية، بما يعود بعوائد ضخمة تسهم إسهاماً فاعلاً في إنهاض الاقتصاد الأميركي من كبوته. وفي المقابل، تفقد الدول الأوروبية مصدراً من مصادر النفط المستقلة عن القرار السياسي الأميركي. والحرب فرصة جديدة أمام الجيش الأميركي للتخلص من أسلحته وذخائره القديمة، وطلب أخرى جديدة تنعش قطاع الصناعات العسكرية وتشكل رافداً إضافياً في تحسين أداء الاقتصاد الأميركي. جدة - وائل حمادة wael [email protected]