ترتفع على جدران غرفة مدير مدرسة رام الله الثانوية صور اربعة تلاميذ سقطوا برصاص الجيش الاسرائيلي منذ اندلاع الانتفاضة، واليوم يبحث المدير عن مكان لصورة خامسة بعد ان قتل الجنود الاسبوع الماضي تلميذاً جديداً من هذه المدرسة هو محمد جبارين 16 عاما. كان محمد ومجموعة من اقرانه يعقدون حلقة سمر رمضانية في حي رام الله التحتا، وهو حي شعبي يقع في الجزء الغربي من مدينة رام الله، عندما دهمت المدينة قوة من الجيش واخذت تجوب شوارعها باستفزاز صارخ، ما حدا بالفتية الى رشقها بالحجارة، لترد عليهم بالنار. مدير غرفة العمليات الامنية في رام الله يقول ان ست آليات عسكرية دخلت المدينة، وجابت شوارعها دونما هدف محدد، ولدى وصولها الى الحي المذكور بادرت مجموعة من الفتية الى رشقها بالحجارة، فقام احد الجنود يعتقد انه قناص، باطلاق النار على محمد واصابه بعيار ناري قاتل في الخاصرة. والدة محمد التي لم تستعد قواها بعد على رغم مرور اسبوع على استشهاده تقول:"قتلوه في لمحة بصر، آه ما ارخص حياة الفلسطيني، كان محمد يتقافز مثل الملاك، رمى حجرا وقطع الشارع مارا من امام البيت، وما هي سوى امتار قليلة حتى سقط كالطير المذبوح". ويتساءل مدير المدرسة التي تضم 500 تلميذ:"اي خطر شكَّله هذا التلميذ الأعزل سوى رمي حجر على دوريات عسكرية مصفحة لا يخترقها الرصاص؟". يأتيه الجواب من وزارة التربية والتعليم التي يبين ارشيفها ان الجيش الاسرائيلي قتل في هذه الانتفاضة 635 طالبا مدرسيا آخرهم محمد، وقتل معهم 36 معلما و200 طالب جامعي. ارشيف الوزارة الذي يضم اسماء الضحايا واعمارهم يبين ايضا ان 3535 طالبا مدرسيا و1245 طالبا جامعيا سقطوا جرحى، يضاف الى ذلك المعتقلون 622 طالبا مدرسيا و180 معلما. ويعمد الجيش الاسرائيلي الى اطلاق النار المباشر على اجساد الفتية الذين يرشقون الحجارة على قواته حتى لو كانت دباباته معدة لحروب عسكرية تستخدم فيها الاسلحة الثقيلة والصواريخ مثل دبابة"ميركفا". وفي كل مرة يقتل فيها الجيش الاسرائيلي طفلا او صبيا فلسطينيا يصدر بيان رسمي يعلن فيه الناطق باسمه ان القتيل شكل خطرا على حياة الجنود! وحسب احصاءات متقاربة للمؤسسات الحقوقية، فإن الجيش الاسرائيلي قتل في هذه الانتفاضة 868 طفلا، غالبيتهم العظمى قتلت في اطلاق نار اثناء مواجهات بالحجارة، والبعض منهم قتل في عمليات قصف عشوائية او في اغتيالات جرت وسط شوارع عامة او تجمعات سكنية، ومنهم فتية غزة الثلاثة الذين سقطوا قبل اسبوعين بقذيفة دبابة اثناء لعبهم في مناطق تدعي اسرائيل انها تستخدم لاطلاق الصواريخ محلية الصنع. وتفاديا للجوء اهالي الضحايا الى القضاء الاسرائيلي اصدر الكنيست البرلمان في السنة الثانية للانتفاضة قرارا يحظر على المحاكم في اسرائيل تلقي دعاوى من فلسطينيين يقاضون فيها جنودا عن ضحايا يسقطون في عمليات عسكرية. ويقول الناشط في حقوق الانسان النائب مصطفى البرغوثي ان اسرائيل تُقدم على قتل الاطفال والمدنيين العزل من دون قلق من قضاء محلي او دولي بسبب عنجهيتها والدعم الاميركي غير المشروط لها. ويضيف:"اسرائيل تتصرف دائما كدولة فوق القانون الدولي لأنها تحظى بدعم اميركي كامل". وتسعى مجموعة من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية الى مقاضاة قادة الجيش الاسرائيلي على عمليات قتل مدنيين عزل. وقال البرغوثي الذي يشارك في هذا الجهد:"في البداية توجهنا الى القضاء البلجيكي، لكن بلجيكا عادت وغيرت القانون الذي ينص على محاكمة مجرمي حرب اجانب على اراضيها. واليوم نعد للتوجه الى القضاء البريطاني الذي يسمح بمثل هذه الدعاوى".