لم يجد أهالي مخيم الجلزون قرب رام الله اسماً غير «لعبة الموت» ليطلقوه على اللعبة الخطرة التي يمارسها أطفال المخيم باقترابهم من المستوطنة المجاورة «بيت إيل» التي عادة ما تنتهي إما بقتل أحد الأطفال، أو إصابته بجروج، أو اعتقاله. ووصلت حصيلة ضحايا «لعبة الموت» هذا العام في المخيم إلى أربعة شهداء، و32 معتقلاً، وعدد من الجرحى، جميعهم من الأطفال والفتية والصبية الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً. وسقط آخر الضحايا ليل الاثنين - الثلثاء، وهو محمد رياض نايف (14 عاماً) عندما قتله جنود إسرائيليون يحرسون المستوطنة. كان محمد ومعه بعض الأطفال والفتية يلهون بعد ساعات الإفطار بجوار المخيم، قرب المستوطنة. وكعادة الأطفال الفلسطينيين عندما يشاهدون مستوطنة أو دورية للجيش أو أي هدف إسرائيلي، حمل الصبية الحجارة وأخذوا يلقونها على البرج العسكري الذي سرعان ما فتح جنوده النار عليهم، فأصابوا محمد بعيار ناري قاتل في الصدر. ويقول عم الطفل القتيل صبحي نايف إن الجنود اقتربوا من محمد وهو ينزف كي يعتلقوه، وعندما وجدوا صعوبة في اعتقاله وهو ينزف، طلبوا له سيارة إسعاف، لكنه فارق الحياة. وأضاف أن محاولتهم اعتقاله قضت على فرصة إنقاذه، إذ وصلت سيارة الإسعاف إلى المكان بعد نحو ساعة ونصف ساعة من إصابته. المصيبة الأكبر لعائلة محمد أنه ابن ضحية من ضحايا الاحتلال، إذ قتل جنود والده في ثاني سنوات الانتفاضة الثانية في رام الله. وكان والد محمد يعمل في جهاز المخابرات العامة حين اقتحمت قوة من الجيش مقر عمله، وأطقلت النار عليه وقتلته في مكتبه. وبين الأطفال والفتية المعتقلين، شقيق محمد الأكبر نايف (18 عاماً) الذي اعتقله الجنود قبل عام، وحكموا عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف سنة. ومحمد هو رابع ضحية للمستوطنة من أطفال المخيم هذا العام، إذ قتل الجنود قبله ثلاثة أطفال آخرين في ظروف مشابهة. ويؤكد أهالي المخيم ان لا مكان للعب الأطفال سوى محيط المخيم الذي تقابله المستوطنة من جهة الشرق. وقال منسق «جمعية التنمية النفسية والاجتماعية» في المخيم أحمد رضوان إن كثيرين من الأطفال يجدون في رشق الحجارة على سياج المستوطنة أو على برج الحراسة لعبة، لكن الجنود يبادرون إلى إطلاق النار عليهم وقتلهم أو جرهم أو ملاحقتهم واعتقالهم. ووفق إحصاء أعدته الجمعية، فإن الجيش الإسرائيلي يعتقل 32 طفلاً وفتى وصبياً ممن تقل أعمارهم عن 18 عاماً من أبناء المخيم، بتهمة مهاجمة المستوطنة بالحجارة وغيرها. وقال رضوان إن «إحصاءات ضحايا الاحتلال من شهداء وجرحى ومعتقلين من أطفال مخيم الجلزون تفوق كثيراً ضحايا المخيمات الأخرى، والفارق الوحيد هو إقامة المستوطنة إلى جانب المخيم». ويقدر عدد سكان الجلزون الذين تعرضوا فوق مصيبة اللجوء، على ما فيها من قسوة، إلى مصيبة أخرى لا تقل قسوة وهي إقامة مستوطنة بجوار مخيمهم، بنحو عشرة آلاف نسمة. وتعرض المخيم خلال الانتفاضة إلى العزل عن مدينة رام الله بعد إغلاق طرقه المارة بجوار المستوطنة، ما يضطر قاطنيه إلى سلوك طريق التفافي طويل للوصول إلى المدينة. ويؤكد أهالي المخيم أن الجنود يتعمدون في كل الحالات إطلاق النار على الأطفال بهدف القتل أو الإصابة، على رغم أنهم لا يشكلون تهديداً لهم. وتساءل صبحي نايف: «أي خطر يشكله أطفال يلقون الحصى على جنود مدججين بالسلاح، وعلى برج حراسة محصن ضد الرصاص؟». ورأى أن «ما يقوم به الجنود هنا هو فقط القتل من أجل القتل». وعقب قتل محمد، أطلق الجنود النار على عدد من أبناء المخيم الذين تجمهروا قرب موقع احتجازه مطالبين بالسماح لهم بنقله إلى مستشفى فلسطيني، وأصابوا ثلاثة منهم، بينهم سائق سيارة الإسعاف أسامة النجار الذي جاء لنقله إلى المستشفى الفلسطيني. وقال مصدر طبي إن النجار أصيب بعيار ناري في قدمه.