يستثمر مهرجان "المدينة" الذي يقام سنوياً في شهر رمضان، الأماكن التاريخية في مدينة تونس من خانات وقصور وبيوت قديمة، لإضفاء طابع تراثي على العروض الموسيقية التي تستمر طيلة شهر الصوم. ينطلق المهرجان الذي تتسم دورته الحالية بكثافة العروض الطربية غداً الخميس، بسهرة للمطرب لطفي بوشناق في قصر خير الدين. وخير الدين باشا هو رئيس الوزراء المصلح في أواخر القرن التاسع عشر الذي حاول إنقاذ البلد من الإحتلال الأجنبي واضطر للهجرة إلى الآستانة بعد إخفاقه. يقع قصره الذي يتميز بعمارته المقتبسة من التقاليد الأندلسية والمغاربية، في قلب المدينة القديمة ما يضفي حميمية خاصة على المكان. يجمع المهرجان بين الطرب العربي والموسيقى الغربية، فبعد السهرة الإفتتاحية مع الفنان التونسي لطفي بوشناق، تعرض فرقة موسيقية فرنسية من الطلاب المُتميزين في المعهد العالي للموسيقى أعمالها في سهرة خاصة ثم تقدم فرقة"ناس الغيوان"المغربية باقة من قديمها وجديدها. كذلك تقدم فرقة"فيفا مكسيكو"للباليه عرضاً يعكس ألواناً من الفن والرقص اللاتيني في قصر خير الدين أيضاً. ثم تنتقل فعاليات المهرجان إلى المسرح البلدي المُطل بمهابته الفريدة على شارع الحبيب بورقيبة، الجادة الرئيسية في المدينة، ليلتقي الجمهور مع ثلاثة من الممثلين اللامعين هم هشام رستم ورؤوف بن يغلان ومحمد كوكة في مسرحية"فن". ويفتح المسرح ذراعيه لاحقاً للموسيقى مع سهرة كندية تحييها مجموعة"غولدن غيت"بعنوان"سهرة الوداع"، ثم مع الفرنسي جيرار لونورمان الذي يقدم عرضين متتاليين مطلع الشهر المقبل. كذلك تستأثر الموسيقى الإيطالية بقسم من المهرجان من خلال سهرة مُخصصة للأغاني الصقلية، علماً أن هناك روابط متينة تاريخية وراهنة بين تونس وجزيرة صقلية التي ظلت خاضعة لها طيلة أربعة قرون. ومن هنغاريا تأتي مغنية الأوبرا أنيكو نيمات وعازف الكمان زولتان ميغا لتقديم عرض مشترك في الثامن من الشهر المقبل في"دار حسين". وهو بيت كان ملكاً لمصلح شهير أسس أول صحيفة في البلد وأدار أول مطبعة في القرن التاسع عشر. فيما يستضيف قصر خير الدين مجموعة"شورو"البرازيلية في اليوم نفسه. ومنح المهرجان الأولوية للموسيقى العربية، ربما انطلاقاً من كون التونسيين ميالين لسماع الطرب الأصيل في سهرات رمضان. وإضافة إلى الفنان بوشناق في الإفتتاح وعازف الكمان اللبناني جهاد عقل في سهرة الختام في المسرح البلدي، يستضيف المهرجان في دورة هذا العام ميادة بسيليس التي ستحيي حفلتين بعدما سبق أن شاركت في دورتين سابقتين، وصفوان بهلوان الذي لاقى نجاحاً كبيراً لدى التونسيين وهو يعود لتقديم تشكيلة من أغاني محمد عبدالوهاب. كذلك يُكرم المهرجان فريد الأطرش في سهرة يقدم خلالها كل من وعد بوحسون وناجي عثمنة وفرقة منذر بركوس التونسية تشكيلة من أغاني فريد. أما التونسيات المتخصصات بالأغاني الطربية فيستأثرن بسهرات خاصة وهن ليلى حجيج ذات الصوت الناعم وفرقة الفارابي للموسيقى العربية وفرقة العازفات بقيادة أمينة الصرارفي، إلى جانب سهرة خاصة مع فرقة الطرب الحلبية بقيادة عمر السرميني. ويقدم الثنائي عباس مقدم وإقبال الجمني"لحن الخلود"الذي يستعيد روائع محمد عبدالوهاب الموسيقية. اللافت أن مهرجان المدينة الرمضاني في العاصمة تونس غدا نموذجاً تحتذيه المدن الداخلية التي صارت تقيم مهرجانات فنية في سهرات رمضان تستقطب أعداداً متزايدة من المشاهدين. وفي سوسة وصل"مهرجان المدينة"إلى سنته الثامنة وهو يستضيف قسماً من المطربين والمطربات المشاركين في مهرجان مدينة تونس وآخرين محليين مثل المطربة نبيهة كراولي ومنير الطرودي ونبيل بن خليفة الذي يُقدم"سهرة وفاء"لعبد الحليم حافظ. كذلك تستضيف صفاقس والقيروان دورتين جديدتين من"مهرجان المدينة"الذي يشتمل على عروض تتقاطع مع تلك المُقدمة في مهرجاني سوسةوتونس.