دخل مهرجان قرطاج الذي انطلقت دورته الجديدة قبل ايام، هذا الصيف عامه التاسع والثلاثين... واقترن اسم المهرجان بالمسرح الروماني المتربع فوق تلة "بيرصة"، المشرفة على آثار عاصمة الفينيقيين والمرفأ التجاري الذي انطلقت منه سفنهم لاكتشاف غرب المتوسط وأفريقيا. وبالنظر الى مكانة المدينة لم يستقطب المهرجان سوى فنانين من الصف الأول عرباً كانوا أم أجانب. وعلى مسرحه غنت أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفيروز ونجاة الصغيرة ووديع الصافي وصباح فخري ووردة وماجدة الرومي ومارسيل خليفة... ودائماً تطبع حميمية خاصة علاقة الفنانين بالجمهور الجالس على المدرجات الصخرية أو الواقف في المعابر وجنبات المسرح الذي لم تتغير هيئته منذ ما لا يقل عن ألفي عام. وحافظ برنامج هذا العام على الطابع المتميز للمهرجان، إذ تشتمل الدورة الجديدة على 28 عرضاً ثلثها تونسي والثلث الثاني عربي... أما الأخير فمؤلف من عروض أجنبية. ويستأثر المطربون التونسيون بالحصة الأكبر في الافتتاح والاختتام. فالسهرة الأولى سيديرها مراد الصقلي مدير مركز الموسيقى المتوسطية في سيدي بوسعيد اعتماداً على قصائد التونسي خالد الوغلاني ويؤديها كل من زياد غرسة ودرصاف حمداني وشهرزاد هلال وريم الفهري. فيما يغني في الاختتام صابر الرباعي الذي يقدم عرضاً موسيقياً ومسرحياً شاملاً. ومن التونسيات اللائي سيشاركن في مهرجان قرطاج هذا العام ذكرى محمد وشكري بوزيان وصوفية صادق وفنان الجاز فوزي الشكيلي... وفرقة حوريات الطرب بقيادة محمد صالح حركاتي. واللافت هذه السنة هو غياب لطفي بوشناق الحاضر في مهرجانات دولية أخرى. في المقابل خصصت سهرة لأربعة مطربين شعبيين، وأتت المبادرة بمثابة صدمة للنقاد الذين عكسوا حرص جمهور قرطاج على المستوى العالي للعروض، خصوصاً أن المهرجان غدا معروفاً بطابعه الفني الراقي الذي أراده له الآباء المؤسسون والذي حافظ عليه طيلة الدورات السابقة. ولا يستبعد أن يثير عرض الفنانين الشعبيين الأربعة جدلاً مماثلاً للذي أثاره عرض الفنان الشعبي هادي حبوبة في التسعينات وكان أول من صعد على خشبة قرطاج لكسر دائرة الموسيقى الطربية. وبقدر تقبل الجمهور ظهور مطربين شباب وفنانات صاعدات من منطلق كون قرطاج بوابة للشهرة والتألق أسوة بتجربة أمينة فاخت وصابر الرباعي وذكرى محمد وصوفية صادق الذين وضعوا قدماً ثابتة في عالم الطرب بعدما نجحوا في الاختبار الصعب أمام جمهور قرطاج، لا يؤمل شيء من فنانين شعبيين أفنوا العمر في حفلات الأعراس. عربياً حافظ مهرجان قرطاج على تقليد استقطاب أسماء عربية لامعة، ومن النجوم المشاركين في دورته الجديدة ماجدة الرومي وإيهاب توفيق وأنغام وملحم بركات والثنائي بهاء سلطان وخالد عجاج وعاصي الحلاني وحكيم والشاب فضيل والشاب عيسى والشاب بلال وفرقة "الأصالة" الحلبية وباليه "جوليا دومنا" لفرقة "أنانا" للمسرح الراقص سورية ، إضافة إلى سهرة مشتركة بين الفنان عمر عبداللات الأردن والفنان هشام عباس مصر. وفيما جدد اللبنانيون والسوريون والمصريون حضورهم القوي في مهرجان قرطاج غاب عنه هذا العام المغاربة والعراقيون... إضافة الى الفنانين الخليجيين الذين لاقوا نجاحاً محدوداً لدى الجمهور القرطاجي. وإذا كان الطرب هو الطاغي على السهرات العربية الاحدى عشرة فإن العروض الأجنبية أتت منوعة إذ تشمل الرقص والباليه والغناء. وستكون السهرات الموسيقية مع كل من الإيطالية جيانا نانيني والبلجيكي سالفاتور أدامو والباكستاني أبيدا برغان، أما الباليه فمن ابرز فرقه "باليه الأوبرا الوطني" في كييف وباليه "خيرالدا" الإسباني، إضافة إلى عرض "كول أند ذي غانغ" من الولاياتالمتحدة و"طبول برونكس" من فرنسا. ويشترك التونسي فوزي الشكيلي بإحياء حفلة لموسيقى الجاز مع الأميركي براون بروجاكت. وقال مدير المهرجان منصف بلحاج يحيى إن الدورة الحالية تعكس الحرص على منح مكانة متميزة للمطربين التونسيين من خلال برمجتهم في حفلتي الافتتاح والاختتام ،إضافة إلى انتقاء أهم رموز الطرب العربي وبخاصة الأسماء التي برزت في السنوات الأخيرة. أما بالنسبة الى الأسماء الأجنبية فقال بلحاج يحيى إن اختيارها تم من منطلق الحرص على التنوع وتكريس البعد الدولي للمهرجان الذي يشمل القارات الأربع. وأشار إلى أن المهرجان سيقدم للمرة الأولى عروضاً خاصة بالأطفال. لكن المهرجان لا ينتهي بنهاية العروض الموسيقية، فالسينما استأثرت دوماً بمكانة متميزة على شاشة مسرح قرطاج ومع آخر عرض مبرمج ليوم 23 أغسطس آب لصابر الرباعي، تنطلق السهرات السينمائية إلى آخر الشهر.