اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة قدم خدمة كبيرة لكتاب "لوبي اسرائيل والسياسة الخارجية الاميركية" بمعارضته، فقد ساعد على جعله بين أكثر الكتب مبيعاً، حتى ان شركة امازون أبلغتني عن تأخير ارسال النسخة التي طلبتها بسبب اشتداد الطلب على الكتاب. لا بد من ان القراء يذكرون خلفية الكتاب، فقد كان مقالاً كتبه البروفسور جون ميرزهايمر، من جامعة شيكاغو، والبروفسور ستيفن والت، من جامعة هارفارد ونشرته مجلة"لندن ريفيو اوف بوكس"في آذار مارس من السنة الماضية بعدما امتنعت مجلة"اتلانتك مولي"الاميركية عن نشره على رغم انها كانت هي التي طلبته سنة 2002. المقال أصبح الآن كتاباً في 484 صفحة مع مئات المراجع، وهو يثبت في شكل نهائي موثق طغيان اللوبي اليهودي على السياسة الخارجية الاميركية، والضرر اللاحق بالولاياتالمتحدة ومصالحها نتيجة لتأييد اسرائيل في شكل سافر يتعارض مع أبسط مظاهر العدالة والحرية وحقوق الانسان والديموقراطية التي تبشر كل ادارة أميركية بها. ووجدت ان الكتاب يتضمن جزءاً اضافياً على المادة الاصلية، فهو يزيد أحداث ونشاط اللوبي اليهودي منذ آذار 2006، ويركز على محاولات أنصار اسرائيل دفع الولاياتالمتحدة نحو حرب مع ايران، تماماً كما فعلوا في دفعها للهجوم على العراق، وهو هجوم لا تزال تدفع ثمنه حتى اليوم، وستدفع أكثر كثيراً اذا هاجمت ايران، الا ان عصابة اسرائيل ذات ولاء واحد، ولا تهتم بأرواح الأميركيين او مصالحهم حول العالم. الولاياتالمتحدة استخدمت الفيتو 42 مرة منذ 1972، منها 34 مرة منذ 1982 لمنع مجلس الأمن من اصدار قرارات ضد اسرائيل، أي انها وقفت مرة بعد مرة ضد العالم كله دفاعاً عن جرائم اسرائيل، ثم يسأل الاميركيون: لماذا يكرهوننا؟ المؤلفان يقولان انه لا توجد أسباب استراتيجية أو أخلاقية لدعم اسرائيل، وإنما السبب نفوذ اللوبي والمسيحيين الصهيونيين والمحافظين الجدد، وغالبية هؤلاء من اليهود المتطرفين. اسرائيل لم تكن مفيدة استراتيجياً للولايات المتحدة حتى خلال الحرب الباردة، وهذا واضح في نتائج السياسة الاميركية في السبعينات والثمانينات، غير انه حتى لو تركنا هذه النقطة التي يروجها أنصار اسرائيل وكأنها حقيقة، فإن اسرائيل لم تعد مفيدة استراتيجياً بعد نهاية الحرب الباردة وإنما تحولت الى عبء. والمؤلفان يسجلان بوضوح"ان التأييد غير المشروط لاسرائيل زاد العداء لأميركا حول العالم وغذى مشكلة الارهاب ضد أميركا، وأدى الى توتر العلاقات مع حلفاء أساسيين في أوروبا والشرق الاوسط وآسيا. طبعاً هذا الكلام صحيح مئة في المئة، وكلنا يعرفه، غير ان أهميته في صدوره عن اثنين من أبرز أساتذة العلوم السياسية في أميركا، ما جعل اللوبي يفقد أعصابه، حتى ان ابراهام فوكسمان، رئيس رابطة مكافحة التشهير باليهود، زعم ان الكتاب يبالغ جداً، بل أنكر تأثير اللوبي في السياسة الخارجية الاميركية، ما يثبت هذا التأثير لأن فوكسمان يكذب كما يتنفس، لذلك فقد قرأت انه نشر يوم صدور كتاب"لوبي اسرائيل"كتاباً من تأليفه عنوانه"الكذبات المميتة عن لوبي اسرائيل وخرافة السيطرة الاسرائيلية". اذا لم تكن هناك سيطرة فكيف يفسر أمثال فوكسمان ان الولاياتالمتحدة تقدم لاسرائيل ثلاثة بلايين دولار من المساعدات كل سنة، أي حوالى ربع موازنة المساعدات، مع انها بلد ثري، ولا تقدم نصف هذا المبلغ لمكافحة الايدز في افريقيا، مع انه انطلق من سان فرانسيسكو، او الفقر في كل بلد. البلايين الثلاثة هي جزء مما تتلقى اسرائيل كل سنة، فهناك ضمانات قروض وتبرعات معفاة من الضرائب. والشهر الماضي أعلنت الولاياتالمتحدة بيع أسلحة لاسرائيل والدول العربية وخصصت 30 بليون دولار لاسرائيل، و20 بليوناً لكل الدول العربية ذات العلاقة، أي انها تعطي ستة ملايين اسرائيلي مرة ونصف مرة أكثر مما تعطي 300 مليون عربي، أو 1.2 بليون مسلم. ميرزهايمر ووالت يقولان ان الولاياتالمتحدة ستكون حليفاً أفضل لاسرائيل اذا جعلت تأييدها مشروعاً، وقدمت النصح الى السياسيين الاسرائيليين من دون مواجهة انتقام اللوبي. غير انهما يضيفان انهما لا يتوقعان شيئاً من هذا الآن، فهناك حملة انتخابات الرئاسة الاميركية، وكل مرشح سيعلن تأييده اسرائيل ليضمن التبرعات لحملته ويبعد اللوبي عنه. ثمة مجموعة مماثلة من الكتب عن اسرائيل ونفوذ اللوبي سأعود اليها غداً، الا ان كتاب ميرزهايمر ووالت يظل أهمها، كما يدل الاقبال الهائل عليه فور عرضه في المكتبات، والكاتب البارز مايكل ماسنغ كتب في"نيويورك ريفيو اوف بوكس"ان مقال الاستاذين هو أهم طرح أكاديمي منذ نشر"صراع الحضارات"للاستاذ صموئيل هنتنغتون سنة 1993، غير انني أزيد على رأي ماسنغ ان هناك فرقاً بين الكتابين، وهنتنغتون لم يتحدَ اللوبي بكتابه، وانما وجد آذاناً صاغية بين أنصار اسرائيل وغيرهم، اما ميرزهايمر ووالت فواجها حملة رهيبة بعد نشر مقالهما، فكان ان قبلا التحدي وردا بكتاب سيصبح مرجعاً عن نفوذ اللوبي وتأثيره السلبي في السياسة الخارجية الاميركية ومصالح أميركا في كل مكان. اللوبي اليهودي يثبت صدق القول انك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت.