ثمة معارضة حول العالم، وداخل إسرائيل نفسها، للجرائم اليومية التي ترتكبها الحكومة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين واللبنانيين، غير انني أتجاوز جماعات السلام الإسرائيلية والتحالف ضد الحرب في بريطانيا والموقفين الرسمي والشعبي الفرنسيين انتصاراً للبنان، والتظاهرات في غير بلد لأركز على الولاياتالمتحدة حيث اخترت أمس نقاطاً من بحر تطرف المحافظين الجدد الذين يعتقدون بأن إسرائيل لم تقتل أعداداً كافية، وأن إدارة بوش لم تساعدها بالقدر المطلوب، وحيث أكمل اليوم بالأصوات المعارضة للحرب الإسرائيلية المجرمة في بلد هو شريك لإسرائيل في حربها حتى لو أنكر. وأختار أن أبدأ اليوم بترجمة مختصرة من مقال بعنوان"هل نذهب الى الحرب من أجل إسرائيل"كتبه جاستن رايموندو، وهو من أفضل الخبراء في المحافظين الجدد وتطرفهم وولائهم لإسرائيل، وعادة ما يسمى أنصارها في الإدارة أو الكونغرس"زاوية آمين"، أي الذين يقولون: آمين، رداً على كل كلام إسرائيلي. ليس لي فضل في التالي سوى الاختيار والترجمة، ورايموندو يقول: ما تريد إسرائيل هو ما أرادت دائماً، وهو أن تستعمل القوة الأميركية، ودولارات المكلَّف دافع الضرائب الأميركي وأرواح الأميركيين لتنفيذ أجندتها التوسعية. هناك في لبنان الآن 25 ألف أميركي كلهم يواجهون خطر القنابل الإسرائيلية، إلا أن هذا لم يدخل في حسابات تل أبيب، كما لم تدخل في هذه الحسابات أرواح اللبنانيين والفلسطينيين. إسرائيل تقول إسرائيل أولاً، وكذلك تفعل أميركا. وإذا مات 25 ألف أميركي من سياح وغيرهم بلهيب الغارات الجوية الإسرائيلية فليكن. لا توجد تضحية كبيرة في مقابل مواصلة السياسة الخارجية الأنانية الإسرائيلية... بعد غزو الولاياتالمتحدةالعراق ومع وجود أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين في بلاد الرافدين، أصبح الإسرائيليون رأس حربة أميركية موجهة ضد سورية وإيران. وركن آمين الإسرائيلي في واشنطن والميديا يروجان لمزاعم ان هذين العضوين في"محور الشر"يعكران المياه اللبنانية. محطة"أم إس أن بي سي"تؤكد لنا أن إيران"خلقت"حزب الله. غير ان المحللين العارفين يسخرون من مثل هذا الزعم، ولكنهم لم يكونوا جزءاً من برنامج المحطة، وإنما ترك الكلام لجنرال إسرائيلي. طبعاً إسرائيل، لا إيران،"خلقت"حزب الله بغزوها لبنان سنة 1982، والحزب نال سمعة كبيرة وأتباعاً عندما طرد إسرائيل عبر الحدود وأنشأ شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية، وقدم مرشحين عنه للمناصب الرسمية ودخل البرلمان اللبناني. ان مجرد رؤية كيان عربي يتحدى إسرائيل بنجاح ويحقق مستوى من الرفاه أمر غير مسموح به. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن وحده عندما قال ان الأجندة الإسرائيلية أكثر من مجرد استرداد جنديين أسيرين، عذراً مخطوفين... ان السؤال هو التالي: هل تستطيع إسرائيل أن تنتصر في حرب على"حزب الله"من دون تدخل أميركي؟ الجواب بوضوح هو لا، وانظروا ما حدث عندما استدرج الأميركيون الى بيروت، وخسروا 241 قتيلاً بعد أن ضربوا الضواحي، وقرر ريغان الانسحاب. إسرائيل طردت في النهاية، وهذه المرة المحافظون الجدد مصممون على ان الولاياتالمتحدة لن تبقى فقط، بل ستذهب الى دمشق... مصلحة أميركا تلعب دوراً قليلاً في صوغ السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وكلنا يعرف لماذا. ما قال الأكاديميان جون ميرزهايمر وستيفن والت في دراستهما المشهورة عن"اللوبي"تؤكده تماماً الأحداث الأخيرة. هما قالا: في العقود الأخيرة، وخصوصاً منذ حرب الأيام الستة سنة 1967 أصبح محور السياسة الأميركية في الشرق الأوسط العلاقة مع إسرائيل. ان خليط التأييد الثابت لإسرائيل وسياسة نشر"الديموقراطية"في المنطقة أثارت الرأي العام العربي والإسلامي وهددت أمن الولاياتالمتحدة ومعه الأمن العالمي. ان هذا الوضع لا مثيل له في التاريخ السياسي الأميركي. لماذا تهمل الولاياتالمتحدة أمنها وأمن كثيرين من حلفائها لمصلحة دولة أخرى؟ وجوابهما هو: النفوذ غير المسبوق للوبي إسرائيل. ان اللوبي طلب، وحصل على تأييد غير مشروط لانتهاك إسرائيل سيادة لبنان، من الرئيس، ومن الحزبين السياسيين الجمهوري والديموقراطي ومن رجال الإعلام. ان نظرية ميرزهايمر- والت تأكدت الآن الترجمة تنتهي هنا. وكما أسلفت رايموندو من أفضل من تابع عمل المحافظين الجدد ونشاط لوبي إسرائيل، وقد كتب غير مرة عن جواسيسها في الإدارة وحولها، وكشف معلومات جديدة عن التهم التي وجهت الى لاري فرانكلن، واعترافه لتخفيف الحكم عليه، والى اثنين من أركان إيباك هما ستيفن روزين وكيث وايسمان. والثلاثة ينتظرون المحاكمة الآن. ترجمت من النصف الأول من مقال الكاتب الذي يكمل بمقتطفات من مقالات سابقة له تتحدث عن نفوذ اللوبي، وعن تآمره على لبنان وسورية، وعن اختطاف السياسة الخارجية الأميركية لمصلحة إسرائيل. ميرزهايمر ووالت لم يقولا شيئاً لم نقله نحن على امتداد سنين وعقود، إلا أن أهمية كلامهما انه صادر عن أستاذين بارزين في أرقى الجامعات الأميركية، وليس عنا كطرف في النزاع. وأهمية كلام رايموندو انه من صحافي أميركي وباحث نشط في طلب السلام، وليس من صحافي عربي يدافع عن قضيته. وهناك كثيرون مثله يستحقون أن يعرف القارئ العربي شيئاً عنهم.