في قصة "النملة والصرصار"، يكمل مؤلفها الشاعر اللبناني حسن عبدالله ما انتهت عنده قصيدة الشاعر الفرنسي لا فونتين التي تحمل العنوان نفسه. فالأخير يصوّر النملة عاملة تدأب على تخزين الحنطة وكل أنواع المؤن، تحضيراً لسباتها الشتوي الطويل.وأما الصرصار فيقضي عليه لا فونتين، لأن الحشرة المرحة تظلّ طوال الصيف تلهو وتضجّ، غير آبهة بما سيحل بها في فصل البرد. ولعلّ لا فونتين يريد بقصيدته أن يشمت من الصرصار. ثم جاءت قصّة حسن عبدالله وهي للصغار، لكنها عبرة لكل الأعمار لتوضح موقف الصرصار، وتكشف حقيقة وجوده. فعندما حل البرد، وجد الصرصار الضعيف نفسه بلا أكل، يرتعد من الصقيع، وقد لفّ شالاً حول رقبته. ومن فزعه من موت محتّم، قصد النملة في جحرها، على ما يذكر عبدالله، طالباً منها أن تمنّ عليه بقليل من الحنطة، ليقطع بها فصل الجوع... والضجر. لكنّ النملة، التي يظهر أنها"تشرّبت"أفكار الشاعر الفرنسي، ردّت طلبه. ثم همّت بطرده من مكانها الدافئ، عندما كشف لها عن سبب مرحه وپ"غنائه"طوال الصيف. فاستجمع"رباطة جأشه"، وأفهمها بلطف أنه يفعل ذلك ليشيع جوّاً من البهجة والسرور في الغابة. فما كان من النملة إلاّ أن طردته شرّ طردة، ودفعته وطرحته أرضاً فغاص في كومة ثلج، ومات الصرصار... من القهر. في الصيف التالي، شكّلت النمال مسيراتها أو خطوط إنتاجها كالمعتاد، على خطّين، واحد للذهاب وآخر للإياب محمّلة بما لذّ وطاب من مؤن، للشتاء المقبل. وراحت تسعى كالمعتاد، ولكنْ، تحت وطأة صمت ثقيل. وكان التعب يدب في أوصالها سريعاً، فتتوقّف عن العمل، على رغم سياط النمال"المنظِّمة"، التي تفرقع فوق رؤوسها. في ذلك الصيف، افتقدت النمال شيئاً ما... دفعت ثمنه غالياً. ولا يصحّ البوح بأكثر، قبل قراءة قصة حسن عبدالله... قد تكشف قصّة"النملة والصرصار"الأسباب وراء خوف الإنسان من الحشرات. ولعلّ موت الصرصار"قهراً"أثّر في تدهور العلاقة ما بين الحشرات، والقطيعة بينها وبين البشر. لكن هذا من قبيل الإشاعة! خوف مزمن الأمر الوحيد الثابت، في هذه الإشاعة، هو خوف البشر من الحشرات، وإلاّ كيف نفسّر ابتعادنا جرياً أو زحفاً أو صريخاً، من هلعنا، عندما تواجهنا تلك الكائنات الضئيلة، إذ تطنّ قرب الأذن، أو تحفّ على الكتف، أو تحط على صحن المربى؟ ثمة من لا يبالي بها، ويحتقرها ويزدريها، لكن معظمنا يعبّر عن خوفه منها، ولو ادّعى أنه"يتفادى"مجابهتها وقتلها، لأنها مقززة فقط. وثمة أيضاً من يصاب ب"رهاب"الحشرات. وتُفسّر ردود الفعل"البهلوانية"أحياناً، على ظهور الحشرات، من خلال معرفتنا للخطر. فالخوف"الطبيعي"يعمل كجهاز إنذار: النحلة تعقص فنتجنّبها. وتقزّزنا منها ينبع من طبيعة الحشرات نفسها، كما جاء في مجلة"بسيكولوجي"الفرنسية عدد 265، تموز/يونيو ? آب/أغسطس، ص. 82. فهي تنتمي إلى عالم الضآلة الذي نجهل عنه الكثير، والإنسان عدو ما يجهل. ويصعب عليه التكّهن بتحركاتها، ومن هنا الخوف من هجومها المباغت. والمزعج هو فقدان ضبط النفس أو السيطرة. ومنذ ابتدأ البحث في التطوّر النفسي لدى البشر، ظهر أن الذاكرة الجماعية طبعت في اللاوعي جملة تهديدات وأخطار تركت أثرها في الإنسان، خلال تقدّمه. والحذر من الحشرات شكّل إحدى وسائل البقاء للبشر القدماء. واليوم، بتنا نعرف أن لسعاتها لم تعد قاتلة، ومع ذلك لا نزال نحتفظ بالذكرى القديمة، كما تقول مجلة"بسيكولوجي". والحشرات الزاحفة تثير التقزز، على المستوى الغريزي. فالديدان أو العث مرتبطة بالوسخ وتلويث الأكل، وتالياً بالمرض. ومن ثم انتقلت تلك المخاوف المزمنة إلى المخيّلة الجماعية، عبر الحكايات التي تربط الحشرات بصور ومزايا سلبية. فالعناكب على سبيل المثال، قرينة البيوت"المسكونة". وأخيراً، دخلت مزايا الحشرات على القول اليومي، تشبيهاً أو كمحط كلام:"أسمع طنيناً في أذنيّ"... وما إلى هنالك. ويتطوّر الخوف والتقزز لدى البشر على درجات متفاوتة. ولذا، لا يتوقّف تفسير هذه الظاهرة على الذاكرة الجماعية فقط. ولا شك في أن للتربية والحياة اليومية أو المعيوش تأثيراتها المختلفة. فقد ينجم الخوف من الحشرات عن صدمة، أو يأتي من تصرّف الأهل حيالها، فيكون موروثاًً عن الأهل. والطفل فضولي بطبيعته، يحب أن يكتشف كل شيء يظهر أمامه، حتى يكبحه الكبار عندما يكشفون مخاوفهم، فتستقرّ في نفوس الصغار بأشكال متنوّعة. وعندما تكون الثقة بالنفس مزعزعة، يشعر المرء بتهديد العالم الخارجي. وتتولّد قناعة لديه بأن الحشرات الصغيرة يمكن أن تأكل"الحشرات الكبيرة". ما العمل عندما تواجهك..."حشرة"؟ إجراءات"مكافحة"الخوف الذي يكبّل أشخاصاً في وضع مواجهة مع الحشرات، قد تثير ضحك الآخرين. والحقيقة أنها تصحّ لتهدئة كل أنواع الخوف. ولا بد من أنها ستعود بالفائدة على كل صنديد لا يهاب الصرصار، فلكل إنسان خوف يجتاحه في وقت من الأوقات. تسلّح بالمعرفة: الإنسان يخاف ما يجهل. وإذا سرحت مخيّلته في ما يجهله، استتب فيه الرعب. لذا، ينبغي لك أن تعقلن مخاوفك وألاّ تدع أحاسيسك تغلبك. وقبل التوجّه إلى نزهة في العراء حيث الحشرات، حاول التآلف معها بمشاهدة صور لها أو فيديو عنها. وتسلّح ببعض بوثائق لتقدير خطرها الحقيقي، لعلّ خوفك يتّزن. تنفّس: لا تفرّ راكضاً عندما تواجهك حشرة، في الداخل أم الخارج. فالفرار يزيد من الفزع. فإذا تركت مشاعرك تغلبك، قد يتحوّل الخوف نوبة هلع. تنفّس عميقاً وقدّر الموقف بروية، فتساءل من هو الأقوى في الحقيقة، أو من هو في وضع صعب؟ ذلك الشيء البائس التافه، أم أنت الشيء الكبير المسلّح بصحيفة ملفوفة... أنت الحكم. نصيحة: فكّر في مخاوفك ? فلا بد من أنها تعتريك ? قبل أن تتهكّم على شخص يرتعد أمام عنكبوت. ولا تجبره على شيء أو ترميه بنكات سمجة، فقد يحوّل خوفه اعتداء عليك، قبل أن يفكّر في نفسه.