قلت في هذه الزاوية يوم الانتخابات الفرعية في لبنان إنني كنت سأدلي بصوتي للرئيس أمين الجميل لو كنت من ناخبي المتن الشمالي، ولا أزال على الموقف نفسه بعد خسارته، فإضافة الى العلاقة الشخصية القديمة والباقية مع الشيخ أمين، أجده يستحق الفوز لأسباب أهمها قدرته العالية وخبرته الواسعة، ثم إن المقعد شغر باغتيال ابنه بيار، وأنا لا أتحدث هنا عن توريث أو أسر سياسية، وإنما عن الانتصار للشاب الشهيد بالتصويت ضد فكر الاغتيال وأصحابه. النتيجة معروفة والعماد ميشال عون فاز عبر مرشحه الدكتور كميل خوري، إلا أنه كان فوزاً كالخسارة، فقد أظهرت النتائج تراجع تأييد العماد بين المسيحيين الذين يفترض أن يمثلهم، فقد كان أيّده 70 في المئة منهم في الانتخابات النيابية قبل سنتين، وتراجع هذا التأييد الآن الى 40 في المئة بين المسيحيين في مقابل 60 في المئة للشيخ أمين. وسمعت كلاماً للوزير ميشال المر على التلفزيون وجدته صحيحاً في أكثره، وإذا حسبنا أن حصة المر حوالى 20 ألف ناخب، ومعها أصوات الأرمن بين سبعة آلاف وتسعة آلاف، وحوالى خمسة آلاف من قوميين، بينهم موارنة من آل الأشقر وغيرهم ومجنسون، تهبط حصة العماد عون بين المسيحيين الى 20 في المئة أو أقل. غير أن لبنان ليس الموارنة، أو الشيعة أو أي طائفة أخرى، فهو لكل أبنائه أو ليس لأحد، وأحاول أن أتجرد من كل عاطفة شخصية أو هوى، وأسجل أن الشيخ أمين ارتكب أخطاء في حملته الانتخابية ليس أقلها الاستهانة بأصوات الأرمن، فقد انتخبوا دائماً كمجموعة متراصة، والشيخ أمين يعرف هذا جيداً، فقد كانوا حلفاء لآل الجميل على امتداد انتخابات متعاقبة. ومع ذلك فقد بدا لي وكأن الشيخ أمين فوجئ بموقفهم وحمل عليهم بعد ظهور النتائج، في حين انني أراهم أفضل طائفة لبنانية، فهم لم يحملوا يوماً السلاح على أحد، ولم يعتدوا، مع إنني سمعت أن للطاشناق الآن بعداً دولياً عبر علاقة أرمينيا بإيران. أكمل بالموضوعية الممكنة وأقول إنني كنت أتمنى لو أن الشيخ أمين، بدل أن يهاجم الشيعة، وينتقد العماد عون لعلاقته بحزب الله، وعبره مع سورية، قدم برنامجاً محدداً، ثم التزم ما عهدنا فيه دائماً من إبقاء الخطوط مفتوحة مع الجميع، والحذر في التصريحات، ووزن كل كلمة يقولها. ما كانت النتيجة بهذه الأهمية لو أن المرشح كان سامي أمين الجميل، لا الرئيس الأسبق نفسه، وقد سمعت اسم الابن ضمن مبادرات من ميشال المر والأرمن والآخرين، إلا أن هذه لم يكتب لها النجاح، وسار الفريقان في معركة كان غياب أمين الجميل عنها سيبقي اسمه بين المرشحين لرئاسة الجمهورية. هل أحتاج أن أقول أن البلد مقسوم على نفسه، والتوافق ضروري؟ القراء ذكّروني بمدى انقسام البلد، فنصفهم كان مع الشيخ أمين ونصفهم ضده تقريباً، مع أصوات قليلة محايدة. لائق الأسد قال ان أمين الجميل هو الأصلح، وقد أصبح يشكك في ثقافة الشعب اللبناني إزاء إسفاف ميشال عون. وأحمد القتامي دعا السياسيين اللبنانيين الى التعقل، واعتبره صمام أمان خشية السير نحو أشكال أكثر خطورة من الخلاف، ورأى في أمين الجميل المرشح الأفضل. إبراهيم إسماعيل قال إنه لو كان ناخباً لبنانياً لطلب وجوهاً شابة وجديدة للبرلمان، لعلها تصلح ما تسبب به "أبناء العوائل". وعزيز الخصاونة قال انه يحب لبنان واللبنانيين، ويشعر بحيرة إزاء غرامهم بلوردات الحرب والطائفية، واعتمادهم على أطراف خارجية. وكان ياسر ضد تأييدي أمين الجميل من دون أن يؤيد مرشح ميشال عون، ونصحني حسن بالحياد وقال ان رأيي لم يكن موضوعياً، وكذلك فعل عبدو شنيكر، في حين انتقد محمد المفتاح أمين الجميل، وتحدث عن قلة تهذيب بعض رموز الموالاة، مثل وليد جنبلاط، ورحب هشام التقي بيوم "الوفاء العظيم للجنرال عون الذي لم يوقع اتفاق 17 أيار، ولم يدخل السوري والإسرائيلي، ولم يخن بلده". الرئيس أمين الجميل لم يوقع اتفاق 17 أيار، والانتخابات الفرعية وراءنا، وانتخاب رئيس الجمهورية موعده الشهر المقبل، إذا لم تُعطل العملية. ولا أعرف من سيفوز بالرئاسة إلا أنني أعرف من لن يفوز، فالرئيس لن يكون من 14 آذار أو 8 آذار، وإنما سيأتي مرشح توافقي أو لا يأتي أحد. وفي حين أن عند كل من الفريقين قدرة على التعطيل، فإن كلاً منهما لن يستطيع فرض رأيه على الآخرين، وثمة خطر على البلد كله إذا اعتقد أي فريق انه يستطيع الاستئثار برئاسة الجمهورية، فهو لن يفعل سوى أن يدخل البلد في فراغ دستوري يفتح باب الشر على مصراعيه، كأن ليس في لبنان اليوم من الشر ما يكفي ويزيد. حزب الله أعلن ان العماد ميشال عون مرشحه الوحيد للرئاسة، وقد سمعت تأكيداً لذلك من قادة الحزب. وهذا يعني أن العماد عون لن يكون الرئيس المقبل، كما ان كل مرشح محسوب بالكامل على 14 آذار لن يأتي رئيساً. مع إنني كنت أتمنى شخصياً أن ينتخب نسيب لحود رئيساً، فهو خليط نادر من القدرة والنزاهة والاعتدال. لن أُدخل القارئ في حديث صالونات عن دور سورية وإيران، أو عن هشاشة التزام بعض نواب الأكثرية، أو الموقف النهائي لميشال المر وحلفائه وكتلة جوزف سكاف. ولن أخترع احتمالات لمجرد أن أبدو كأنني أعرف شيئاً لا يعرفه غيري. كل ما أقول ان هناك أسماء مطروحة، ربما كان أبرزها ميشال سلمان وجان عبيد ومعه فارس بويز ورياض سلامة وميشال إده. وكل من هؤلاء صاحب سجل معروف وهو أهل للرئاسة، خصوصاً العماد سليمان الذي أفضل مع ذلك بقاءه في قيادة الجيش لما أبدى من قدرة قيادية نادرة. واختياري الشخصي بين جان عبيد وفارس بويز، وأرجو لكل منهما حظاً أفضل من حظ أمين الجميل في الانتخابات الفرعية. ثم أرجو حظاً أفضل للبنان.