سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المرحلة الثالثة تختار أكبر كتلة نيابية مختلطة ورموز الموارنة . جبل لبنان الجنوبي مسرح للتنازع على المرجعية و "الشمالي" ميدان معركة الزعامة المسيحية والرئاسة الأولى
المرجعية لمن؟ هذا هو العنوان الأبرز للمعركة الانتخابية الشرسة في جبل لبنان اليوم. واذا كان التنافس حول المرجعية والزعامة هو الذي يتحكم بالانتخابات النيابية اللبنانية عموماً، بعد انحسار المرجعية السورية، فإن جبل لبنان يختزل الكثير من الصراع الذي يدور حول هذه المرجعية. فمن هذه المحافظة تخرج الكتلة النيابية الأكبر 35 نائباً من اصل 128 بالمقارنة مع المحافظات الاخرى. ومن هذه المحافظة سيتم اختيار اكبر كتلة من النواب المسيحيين من جميع المذاهب 25 نائباً في مقابل 10 نواب مسلمين، مما يعني ان السواد الاعظم من الناخبين ال738341 المسجلين، هم من المسيحيين، جلهم من الموارنة. لكن هذه المحافظة تنقسم الى جزءين. فجبل لبنان الجنوبي، يتميز بالاختلاط المسيحي - الاسلامي، الذي كان تاريخياً وعاء لتنافس الزعامة الجنبلاطية الدرزية مع الزعامة المسيحية على المرجعية فيه والتي كان الرئيس الراحل كميل شمعون قطبها الماروني الابرز على مدى ثلاثة عقود في القرن الماضي، الى ان رجحت مرجعية رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد الحرب اللبنانية داخل الدروز في مقابل الزعامة الارسلانية وفي تحالفاته المسيحية وتكرس ذلك في الانتخابات النيابية التي أجريت منذ العام 1992، بعد اتفاق الطائف. ويشكل جبل لبنان الجنوبي الذي يضم ثلاثة اقضية تتشكل منها دائرتان انتخابيتان، النموذج الابرز لصيغة الاختلاط المسيحي - الاسلامي اللبنانية، اذ يقارب عدد ابناء الطائفتين الى حد المناصفة ولجميع المذاهب، إما ثقل عددي او ثقل ترجيحي، مما يتيح للمنافسات ان تكون على اساس تحالفات عابرة للطوائف، اضافة الى الاستقطاب الطائفي للزعامات التقليدية التي تتنازع المرجعية. وهذا يخالف الوضع في جبل لبنان الشمالي الذي يضم ثلاثة اقضية ايضاً، تتشكل منها دائرتان انتخابيتان، من لون طائفي مسيحي فقط، باستثناء بعضة آلاف من الشيعة، لهم نائب واحد في قضاء جبيل. ويفوق عدد الناخبين المسلمين، الدروز والسنّة، عدد الناخبين المسيحيين في دائرة الشوف، معقل الزعامة الجنبلاطية في شكل يتيح للائحة المختلطة التي يتزعمها جنبلاط الفوز الكامل، فضلاً عن ان جنبلاط نفسه والنائب مروان حمادة فازا بالتزكية للمقعدين الدرزيين لغياب المرشحين ضدهما، فيما تدور المعركة على المقاعد الستة الاخرى 2 سنّة وكاثوليكي و3 موارنة بهدف تثبيت القوى المنافسة لحجمها على الصعيد المسيحي مع حلفائها الدروز الممثلين بالزعامة الارسلانية. لكن تحالف جنبلاط مع"القوات اللبنانية"جورج عدوان و"تيار المستقبل"بزعامة سعد الحريري وقوى مسيحية اخرى يرجح اكتساح اللائحة للمقاعد كلها. لكن نجل رئيس حزب الوطنيين الاحرار كميل دوري شمعون يستمر في الترشح لتثبيت قطبية الزعامة المارونية الشوفية في وجه عدوان. كذلك حال ماريو عون مرشح العماد عون في وجه مرشح جنبلاط من العائلة نفسها. الا ان المنافسة مختلفة في دائرة عاليه - بعبدا من جبل لبنان الجنوبي حيث المناصفة التقريبية السائدة وحيث تعدد القوى السياسية، يعطيان التنازع على المرجعية بعداً قديماً جديداً. فمع اكتساب الزعامة الجنبلاطية الارجحية درزياً، في معقل الارسلانيين، عاليه، خلال العقدين الماضيين، اتاحت الشعبية العالية التي اكتسبها العماد ميشال عون وسط مسيحيي قضاء بعبدا له تشكيل لائحة كاملة منافسة للائحة التي تضم ايضاً جنبلاط،"تيار المستقبل"،"القوات اللبنانية"،"الكتلة الوطنية"،"لقاء قرنة شهوان"،"الحركة الاصلاحية الكتائبية"بزعامة الرئيس السابق امين الجميل، حركة"أمل"و"حزب الله". وفيما سعى عون في المفاوضات مع جنبلاط الى الحصول على مقعد درزي من اصل ثلاثة، كأحد شروط التحالف، اراد بذلك التأكيد ان ارجحيته المسيحية في هذه المنطقة تتيح له التأثير في الحصة الدرزية كما كان يحصل سابقاً حين كانت زعامة كميل شمعون تأتي بالنواب الدروز في هذه المنطقة. وكرس عون ميله الى التأثير في الحصة الدرزية بتحالفه مع النائب طلال ارسلان، وفتحه الخطوط مع الحزب السوري القومي الاجتماعي. الا ان لجنبلاط حسابات اخرى، فالصوت المرجح بالنسبة اليه كان الصوت الشيعي، في هذه الدائرة، اضافة الى صوت الاقلية السنّية، فمتّن تحالفه مع"حزب الله"الذي تضم لائحته مرشحاً عنه هو النائب علي عمار. وتفتح صناديق الاقتراع في هذه الدائرة على تقديرات حذرة تقول ان اللعبة تدور على من يكسب ألفين الى ثلاثة آلاف صوت في هذه المعركة، وانها تدور ايضاً على مدى ارتفاع نسبة التصويت لدى المسيحيين التي كانت في حدود 30 في المئة العام 2000، في شكل يستفيد منه العماد عون. وفيما يعتقد مناصرو لائحة تحالف المعارضة ضمناً، انهم سيحصدون المقاعد ال11 للدائرة بكاملها، مع امكان حصول خرق واحد فقط فيها لمصلحة لائحة عون، فإن الاخير، في اسوأ الاحوال يرمي الى تسجيل ارجحيته المسيحية على القوات اللبنانية والكتائب والقوى المسيحية الاخرى حتى لو انجحت الاصوات الدرزية والشيعية المرشحين المسيحيين مما يؤهله لأن يكون الشريك"الشرعي"في المرجعية في هذه المنطقة. ويشبّه عون الامر بالشركة التي يملك فيها واحد 90 في المئة وعشرة يملكون العشرة الباقية،"لكن هؤلاء لا يحق لهم ادارة الشركة، بل من له حق في ذلك هو من يملك ال90 في المئة. اما اذا كان البعض يملك 40 في المئة فله حق الفيتو. وهكذا في السياسة لا يمكن اعطاء أي كان الاولوية تحت عنوان انصاف الجميع...". وحين قيل له ان هذا يعزز الديموقراطية الاكثرية والعددية لا التوافقية قال:"التوافقية تتم بين الطوائف وليس ضمن الطائفة الواحدة. الاصوات ستحدد حجم الشعبية في معارك جبل لبنان...". وفيما يهدف عون الى ابلاغ القادة المسلمين بأن حجمه المسيحي هو الاكبر بين سائر القادة المسيحيين، في جبل لبنان الجنوبي، فإنه يسعى في جبل لبنان الشمالي، في دائرتي المتن وكسروان - جبيل الى انتصار هدفه الإجهاز على رموز مثلت المسيحيين في تحالفه مع الرموز الاسلامية في المعارك السياسية التي خيضت ضد الوجود السوري والسلطة الموالية له في الاشهر الاخيرة، فتصبح المعركة في هذا الجزء من الجبل حول الزعامة المسيحية، وبالتالي حول معركة رئاسة الجمهورية المقبلة. فالمعارضة وحدت لائحتيها في كل من المتن وكسروان - جبيل على قاعدة التحالف اياه باستثناء الاشتراكي الذي لا وجود له في الدائرتين مع وجود رمزي لپ"تيار المستقبل"في شيعة جبيل، وآخر لپ"حزب الله"وحركة"أمل"، فجمعت معظم مكونات حزبية وقيادية، بدءاً بالنائب نسيب لحود، مروراً بحزب"الكتلة الوطنية"و"القوات"وآل الجميل والزعامات المحلية التي انضوت في"لقاء قرنة شهوان"على قاعدة التنافس مع رموز السلطة في هاتين الدائرتين وانتهاء بالنواب: فارس سعيد ومنصور البون وفريد الخازن، معتمدة على مواصلتها المعركة ضد السلطة وضد رئيس الجمهورية اميل لحود لاحقاً. وجاء الانفصال بينها وبين العماد عون على خلاف حول الحصص يؤشر الى نظرة عون لحجمه بما يفوق ما يقترحه عليه المعارضون. لكن الجنرال شكّل لائحة ناقصة في المتن تتيح التعاون مع نائب رئيس المجلس النيابي ميشال المر وحزب الطاشناق والقومي السوري الموالين، وأخرى كاملة في كسروان - جبيل مستبعداً حتى القيادات الحزبية الكتلة الوطنية والقيادات المستقلة فارس بويز وفريد الخازن التي كانت تنوي التحالف معه حتى لو اختلفت مع قوى المعارضة الاخرى. وتبدو المعركة الانتخابية في هاتين الدائرتين غامضة النتائج نظراً الى غياب التقديرات المدروسة لتقلبات الناخبين بين اتجاهين، خصوصاً في صفوف المؤيدين للعماد عون وتياره بعد تحالفاته الاخيرة. - اتجاه أيد عون في دعوته الى محاربة الفساد، وشارك في الاندفاعة الشعبية التي رافقت عودته من المنفى، لكنه اخذ يتساءل عن مدى انسجام تحالفاته مع رموز السلطة والرموز المتعاونة مع سورية في حين عاد هو على حصان معركة الاستقلال، ويرى هذا الاتجاه، الذي يغذيه المعارضون المنافسون لعون بالحجج، ان هدف الجنرال من وراء اتهامه المعارضة بأنها تريد ازاحة الرئيس لحود التهرب من المعركة ضد الفساد والفاسدين هو تبرير صفقة توصل اليها مع حلفاء دمشق للابقاء على لحود في سدة الرئاسة عبر تحقيق انتصار في جبل لبنان يحول دون وجود غطاء مسيحي للتغيير في الرئاسة الاولى. وهذا الاتجاه يرى ان تحالفات عون ستؤثر سلباً في الاقتراع لمصلحة لوائحه. - اتجاه يعتبر ان اندفاعة عودة عون مستمرة خصوصاً ان المسيحيين في جبل لبنان الشمالي متعطشون لزعامة مسيحية، لطالما افتقدوها في السنوات الماضية، مقابل الزعامات القوية لآل الحريري عند السنّة ولثنائية "أمل" -"حزب الله" عند الشيعة ولجنبلاط عند الدروز. ويرى مراقبو هذا الاتجاه ان الجمهور الذي وجد في عون ضالته لاستعادة موقع الزعامة المارونية، يميل الى ان يغفر له تعاونه مع المر وفرنجية وارسلان وحتى القوميين السوريين، والرئيس لحود، من اجل تشكيل رمز اعتراضي امام الزعامات الاسلامية.