"الشعب العراقي منقسم على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر مما في أي بلد آخر. وليس هناك من طريق سوى تطبيق الديموقراطية، وفق نسبة السكانية وعلى العراقيين ان يعتبروا من تجاربهم الماضية، ولو أفلتت هذه الفرصة من أيدينا لضاعت منا أمداً طويلاً". هذا القول لعلي الوردي، الذي ولد في الكاظمية عام 1913 ونشأ وترعرع فيها وكان مولعاً منذ صباه بقراءة الكتب والمجلات واضطر الى ترك المدرسة ليعمل في دكان والده، ثم للعمل عند عطار المحلة، لكنه طرد من العمل لأنه كان ينشغل بقراءة الكتب والمجلات ويترك الزبائن. ثم عاد الى المدرسة وأكمل دراسته وأصبح معلماً. كما غير زيه التقليدي عام 1932 وأصبح أفندياً. وفي عام 1943 أرسلته الحكومة العراقية الى بيروت للدراسة في الجامعة الأميركية، كما حصل على شهادة الماجستير وكذلك الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة تكساس الأميركية. وبعد عودته الى العراق عمل في قسم الاجتماع في جامعة بغداد حتى تقاعده عام 1970، وتوفي في بغداد في 13 تموز يوليو 1995. كتب الوردي ثمانية عشر كتاباً ومئات البحوث والمقالات. خمسة كتب منها في العهد الملكي، وكانت ذات أسلوب أدبي - نقدي ومضامين تنويرية جديدة وساخرة لم يألفها القارئ العراقي، أما الكتب التي صدرت بعد 14 تموز فاتسمت بطابع علمي ومثلت مشروع الوردي لوضع نظرية اجتماعية حول طبيعة المجتمع العراقي، وفي مقدمها"دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"وپ"منطق ابن خلدون"وپ"لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"في ثمانية أجزاء. ألّف كتبه في فترة سيطرة الفكر اليساري لكنه حافظ على مسافة واحدة من جميع الأفكار السياسية والأيديولوجيات، وهو في جميع ما ألّف وكَتب لم يتملق ولم يداهن وكان وفياً للمنهج الذي اختطه لنفسه. وحينما عاب عليه البعض خلو كتبه من الإحصاء بحسب الطريقة الأميركية التي درس وتتلمذ في جامعاتها رد قائلاً ان المجتمع العراقي غير المجتمع الأميركي فما زال الخوف قائماً من الأفندي الذي يحمل قلماً ودفتراً. وتساءل كيف أوجه سؤالاً لمجتمع تنخر الأمية والتقاليد البالية فيه؟ لذلك آثر المنهج الجديد الذي انفرد به. من نظرية الصراع بين الحضارة والبداوة انطلق الوردي ليشرح تاريخ المجتمع العراقي. والوردي هو باحث عن القوانين التي صيرت المجتمع العراقي مختلفاً عن بقية المجتمعات العربية المجاورة له، وكان يبحث دائماً عن أسباب الجدل العراقي حتى لقب العراق ببلد الشقاق والنفاق، على رغم أن هذه الصفات غير أصيلة فيه. اتسم التراث الفكري في العراق بپ"طابع مثالي"بعيداً من الواقع الملموس، ولهذا ظهرت هوة بين التفكير وبين الممارسة العملية. فبينما كان المفكرون والفقهاء يجادلون بالأدلة العقلية والنقلية، كانت الفرق والطوائف المختلفة تتقاتل في ما بينها. ويبدو أن هذه النزعة الجدلية لا تزال قوية في العراق حتى اليوم. وعزا الوردي أسباب هذا التقلب الى الصراع بين البداوة والحضارة. لم يكن الوردي راضياً عن ثورة 14 تموز، فلقبها بالهزة في المجتمع العراقي. وله في ما ذهب رأي يدعمه. أدرك الوردي أن المجتمع العراقي يحتاج الى تفاهمات بين الاثنيات المختلفة للحكم، وبخلاف هذه التفاهمات نتقاتل الى آخر الزمان. سعد البغدادي - بريد الكتروني