ينظر الفرنسيون والجزائريون على السواء، اليوم، إلى سمير ناصري نجم المنتخب الفرنسي ونادي مرسيليا، على أنه الوريث الشرعي للأسطورة زين الدين زيدان.. ويلتقي "الملك" زيزو وپ"ولي عهده" ناصري في نقاط تشابه كثيرة. فكلاهما انطلق من احياء وأزقة مدينة مرسيليا، أو الولاية الجزائرية رقم 49 مثلما يسميها الجزائريون، وكلاهما أبان موهبة ومهارات عالية، ما أهل الأول ليكون القائد والنجم الأول لپ"الديكة" لسنوات، ويسير الثاني على خطاه.. ففي مباراتين فقط إحداها ودية ملك سمير 20 سنة قلوب الفرنسيين، وتوّجوه على عرش الكرة والنجومية الفرنسية. وكلاهما ينحدر من أصول جزائرية، فالأول من أبوين من مدينة بجاية 300 كلم شرق الجزائر العاصمة والثاني من أبوين جزائريين أيضاً من عاصمة الشرق الجزائري مدينة قسنطينة 450 كلم شرق الجزائر. أبدع ناصري هذا الموسم كثيراً كما لم يبدع من قبل، وقاد فريقه لاحتلال مرتبة تؤهله للعب في دوري ابطال أوربا العام المقبل، وبلوغ نهائي كأس فرنسا، الذي خسره بركلات الترجيح أمام نادي سوشو الذي يقوده الجزائري زياني. وبعد تألقه اللافت في مباراة النمسا، والاستقبال الجماهيري الذي حظي به من الجماهير الفرنسية، أعرب ناصري عن سعادته لذلك، ولم يكن يتوقع، كما قال، أن يصبح يوماً ما من نجوم المنتخب الفرنسي. وتابع موضحاً:"صراحة تأثرت كثيراً بالأمر، وهو ما جعلني ألعب متحرراً. ما حدث في مباراة النمسا سيبقى عالقاً". ويرفض النجم الجديد مقارنته بالنجم الدائم زين الدين زيدان، ويقول:"لا يوجد إلا زيدان واحد في العالم، أؤكد لكم هذا، لهذا أطلب منكم أن تتركوني أعمل في هدوء، حتى يتسنى لي البروز في الوقت المناسب". ووُهب ناصري صناعة اللعب، كما زيزو، ودقة التمريرات الحاسمة، والقدرة على الاختراق واللعب بالكرة من دونها، والسرعة عند الانطلاق نحو الهجوم وإجادة المراوغة. ولد ناصري يوم 26 حزيران يونيو 1987 في مدينة مرسيليا، من عائلة جزائرية تتكون من أربعة أطفال.. وفي السادسة من عمره وقع أول إجازة في نادي"بان ميرابو"حيث كشف عن تميز وميول للكرة على حساب دراسته على رغم اجتهاده، ولمداراة ميوله أمام عائلته التي تصر على نجاحه دراسياً، كان يعدها بأنه سيحقق رغبتها ويكون طبيباً. ثلاث سنوات بعد ذلك اكتشفه كشافا المواهب لدى نادي أولمبيك مرسيليا الثنائي أسولان وجيوفانيني في إحدى المباريات، ولم يتردد الطفل صاحب التسع سنوات في قبول عرض الرجلين، ولم يتردد والداه في قبوله، ودخل مركز تكوين النادي الكبير. نجم أوروبي في السادسة عشرة وبعد تجاوزه جميع فرق النادي ونجاحه فيها، بدأت ابواب المنتخب الفرنسي تُفتح أمامه، فانضم إلى منتخب أقل من 16 سنة، ثم منتخب أقل من 17 سنة، الذي أحرز بطولة أوروبا عام 2004. ولعب ناصري دوراً كبيراً في إحراز اللقب، إذ سجل أمام البرتغال في الدور ربع النهائي، وأيضاً في المباراة النهائية ضد إسبانيا قبل دقيقتين من النهاية، بينما كانت المباراة تسير إلى التعادل الإيجابي 1-1. بعد شهرين من الحدث.. وقّع ناصري أول عقد احترافي لثلاث سنوات مع النادي أولمبيك مرسيليا، قبل أن يمدد لاحقاً إلى خمس سنوات. في موسم 2004 - 2005 تردد مدربه جوزي أنيغو في إشراكه إلى أن جاءته هدية من السماء في الدقيقة 71 من مباراة مرسيليا- سوشو، إذ أضطر المدرب، تحت إلحاح المشجعين، لإشراكه، وكان عند حسن ظن الجماهير.. وفي الأسبوع التالي قرر المدرب إشراكه اساسياً فلم يخب ظنه فيه، وفجأة ملك قلوب المرسيليين، الذين هتفوا باسمه طويلاً وأشادت به الصحف الفرنسية والإسبانية. وابتسم له الحظ مرة أخرى عندما حل المدرب الشهير فيليب تروسييه بديلاً عن المدرب أنيغو المقال، وقرر منحه كامل ثقته، فأشركه اساسياً في جميع المباريات، ولعب دوراً حاسماً في الانتصارات التي أحرزها فريقه، بتمريراته الدقيقة الحاسمة، وبأهدافه التي كان أولها أمام نادي ليل. وتتويجاً لأدائه المميز اختير ناصري ضمن أفضل أربعة لاعبين شباب آمال للموسم. في الموسم التالي خفت بريق اللاعب إعلامياً، في ظل وجود المهاجم فرانك ريبيري، لكنه أدى ما عليه، وسمح تألقه وريبيري بقيادة الفريق إلى نهائي كأس فرنسا، حيث خسره أمام فريق العاصمة سان جيرمان. اضطر ناصري في الموسم الحالي إلى مضاعفة جهوده، فتألق كما لم يفعل من قبل.. وقاد فريقه لاحتلال مركز يؤهله للمشاركة في دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل، وكذا إلى نهائي كأس فرنسا للموسم الثاني على التوالي، لكنه، ولسوء حظه، خسره مرة أخرى أمام سوشو بقيادة الجزائري الآخر كريم زياني. وقبل ذلك أرغم مدرب"الديكة"ريمون دومينيك على استدعائه لمباراة النمسا الودية في الخامس عشر من آذار مارس. خاض أجمل مباراة في حياته فملك قلوب الفرنسيين وأشادت به الصحافة الفرنسية، واعتبرته منذئذ الوريث الشرعي لزيدان. وفي المباراة الثانية ضد جورجيا، التي لُعبت قبل أقل من أسبوع لحساب تصفيات أمم أوروبا المقبلة، عاود التألق ومنح"الديكة"فوزاً ثميناً كان صاحب الهدف الوحيد فيه. بعد تألقه اللافت انهمرت عليه العروض من أعتى وأقوى الأندية، بدءاً ببرشلونة ويوفنتوس ومانشستر وريال مدريد، وصولاً إلى الأندية الكبيرة في فرنسا، لكن زيدان الذي منحه قبل أيام كأس أفضل لاعب شاب نصحه بالتريث والاستمرار مع مرسيليا موسماً آخر.. وبدا أنه استجاب لنصيحة قدوته ومثله الأعلى. لا يذكر ناصري كثيراً الجزائر في أحاديثه، لكنه، مثلما صرح في أحدث تصريح له، يبدي عشقاً وشغفاً لزيارتها مرة أخرى، مثلما فعل حين كان صغيراً.. وقال قبل أيام لصحفية جزائرية، إنه بحكم ميلاده في فرنسا لا يعرف عن أرض أجداده سوى القليل، لكنه مولع بها، ويمني النفس بمعاودة زيارتها واكتشافها واكتشاف حجم شعبيته في الوطن الأم.