تبدي دمشق حذراً ازاء "الاشارات الغامضة" الواردة من باريس في شأن مستقبل العلاقات السورية - الفرنسية. ويتأرجح الحذر بين التفاؤل بتوسيع"شق الباب"الذي ظهر في هذه العلاقات بعد انتخاب نيكولا ساركوزي والتشاؤم باحتمال"انغلاق الباب"الى حين انتهاء ولاية ساركوزي بعد خمس سنوات. وكانت آخر هذه الاشارات، الرسالة التي بعثها الرئيس الفرنسي في الاول من حزيران يونيو، الى الرئيس بشار الاسد رداً على برقية التهنئة التي كان ارسلها الاسد في ايار مايو الماضي، ولتهنئة الرئيس السوري بفوزه بولاية دستورية جديدة. ولوحظ ان برقية ساركوزي صيغت بطريقة دقيقة وحمالة اوجه. وقالت مصادر متطابقة ل"الحياة"امس ان ساركوزي اكد في الرسالة انه يشارك الاسد الامل"بتعزيز العلاقات بين بلدينا، وأرغب مثلكم في أن تكون على مستوى الصلات التي نسجها بيننها التاريخ"كما"آمل ايضاً بأن يسهم كل منا في شكل ايجابي في تحقيق الاستقرار والسلم والعدل في المنطقة، التي لا يمكن ان نضمن امنها الا باحترام استقلال اراضي كل من الدول وسيادتها وسلامتها"في الشرق الاوسط. وزاد ساركوزي:"هكذا يمكن تطوير الحوار البناء بين بلدينا"قبل ان يهنئ الشعب السوري"غداة الاستفتاء الذي يجدد قيادتكم للدولة السورية". وتفاوتت قراءة رسالة ساركوزي بين وصفها من مصادر مطلعة في الخارجية السورية بانها"بروتوكولية"من دون ان تصفها ب"الحارة"ما يفسر عدم اعلان دمشق عنها لدى وصولها، وقول مصادر ديبلوماسية غربية في دمشق انها تمثل"تغييراً في الموقف الفرنسي في القياس الى ما كانت عليه الحال في الفترة السابقة خلال حكم الرئيس جاك شيراك". وقالت المصادر الغربية:"يجب عدم توقع انعطاف حاد من جانب فرنسا تجاه دمشق، ورسالة ساكوزي لا تعبر عن تغيير كبير في السياسة، بل عن انفتاح عقلي لفتح نافذة في الجدار المسدود". وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال في خطاب ألقاه من على مدرج جامعة دمشق لمناسبة الاستعداد للاستفتاء الرئاسي في 21 الشهر الماضي ان"من السابق لاوانه الحديث عن تغيير في السياسة الفرنسية. ونأمل بأن يتصرف ساركوزي كرئيس لفرنسا وليس مثل شيراك"الذي تعتقد دمشق بأنه"شخصن"العلاقات بين دمشقوباريس في السنوات الاخيرة وكرس جهده ل"عزل سورية"اوروبياً وأميركياً قبل ان"يفرج"عن الاعتراض على زيارة مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا شرط نقل"رسالة موحدة"من اوروبا ازاء لبنان وسيادته والمحكمة ذات الطابع الدولي. واستقبل المعلم في 23 أيار الماضي السفير الفرنسي في دمشق ميشيل دوكلو في لقاء يكتسب اهمية في هذه المرحلة تضمن ضرورة"عدم التصعيد الخطابي لعدم اغلاق النافذة"واقتراحاً فرنسياً ب"ادانة""فتح الاسلام"، قبل ملاحظة فرنسا تهدئة سياسية في خطاب المعلم تجاه المحكمة ذات الطابع الدولي بعد اعلان نائبه فيصل المقداد انه"لا توجد شرعية دولية ولا لبنانية"للقرار الدولي، وان"الذين يستهدفون سورية الآن لن يحصدوا سوى الفشل". وهناك اعتقاد بين الفرنسيين من دعاة الانفتاح على دمشق، بأن الاسابيع الراهنة بين خروج شيراك وقبل تسلّم ساكوزي الملفات تمثل مرحلة انتقالية يتعزز خلالها دور وزارة الخارجية الفرنسية ويفتح المجال لتقديم بعض المقترحات من السفارة الفرنسية في دمشق ووضع اسس لطي صفحة الجمود التي سادت بين البلدين منذ ثلاث سنوات. وعلمت"الحياة"ان استشارات تجرى بين المؤسسات الفرنسية لجهة كيفية التعاطي مع دمشق، وان مسؤولين في الخارجية الفرنسية ابلغوا سفراء عرباً في اجتماع مغلق ان"سياسة ساركوزي تمثل استمراراً للسياسة الفرنسية في السنوات الاخيرة". ونقلت مصادر عن احد المسؤولين قوله:"باريس تنظر الى العلاقة مع سورية من خلال ما يجرى في لبنان، ذلك ان كل رئيس فرنسي جديد يقوم باول زيارة خارجية الى المانيا وان كل وزير خارجية جديد يزور لبنان، الامر الذي فعله برنار كوشنر بزيارته بيروت في 24 الماضي لتأكيد استمرار السياسة ودعم حكومة فؤاد السنيورة والجيش اللبناني والمحكمة". وزاد المسؤول:"فرنسا لا تستبعد الحوار مع سورية شرط التعبير من دمشق عن النية الايجابية والاقدام على خطوات ايجابية لتحسين الاوضاع في لبنان". في المقابل، تنظر دمشق بحذر الى الاشارات الواردة من باريس. اذ ان هناك اعتقاداً سورياً بأن شيراك"اضر بمصالح فرنسا في الشرق الاوسط"وبضرورة"التعاطي مع دمشق من البوابة السورية وليس اللبنانية"، وسط حديث سوري عن ان"الاشارات الغامضة"من باريس-ساركوزي جاءت بعد"فرض امر واقع"باقرار المحكمة بموجب الفصل السابع الامر الذي وضعته دمشق"في اطار مخطط سياسي"يستهدف سورية. وكان مقرراً ان تطلب الخارجية السورية من باريس الموافقة على نقل سفيرها في لندن سامي الخيمي الى فرنسا، بعد فراغ هذا المنصب بسبب انزعاج دمشق من مواقف شيراك. وكشف المصدر ان السفير الفرنسي في دمشق ميشال دوكلو الذي زار وزير الخارجية السوري وليد المعلم، عقد لقاء معه لم يسفر عن أي جديد في الموقف السوري. وقد التقى السفير الفرنسي دوكلو الرئيس السوري بشار الأسد بعد ذلك في حفل موسيقي في دمشق وصافحه، فقال له الرئيس السوري:"يجب أن نلتقي". وأوضح المصدر أن سورية لم تقدم حتى الآن أي ترشيح لسفير جديد لها في باريس، علماً أن هناك ترجيحات بأن يكون السفير السوري في لندن سامي الخيمي، علماً انه مضى على تقاعد السفيرة السورية السابقة في العاصمة الفرنسية صبا ناصر أكثر من سنتين.