أعتقد بأن نصف سكان مصر الآن لا يعرفون من هي "الست سنيه". فمنذ 40 سنة كان التلفزيون المصري يذيع اعلاناً ارشادياً ضاحكاً الهدف منه أساساً ترشيد استهلاك المياه واكساب المواطنين هذا الاسلوب الحضاري. لكن كالعادة فإن عباقرة الاعلان عندنا يذهبون بعيداً بأفكارهم حيث كانت"الست سنيه"من اصحاب الوزن الثقيل وحركاتها مع كلمات وألحان الاغنية أوحت للناس بأنهم امام اعلان عن التخسيس او الدعوة الى الرشاقة، لذلك ابتعدنا عن الهدف وانتفى الغرض من هذا الاعلان وظلت المياه تنساب من الحنفية حتى يقال ان 40-50 في المئة من استهلاك المياه النظيفة والصالحة للشرب تذهب هدراً في البالوعات، ولسوف نندم يوماً على هذا الاسفاف في الاستخدام السيئ للموارد الطبيعية. وما حدث لموضوع"الست سنيه"والمياه هو ايضاً نموذج لما يحدث في اشياء كثيرة تتعلق بحياتنا اليومية، فنحن المصريين غير جادين في التعامل مع القضايا المصيرية، فعندما تكلمنا وللمرة الأولى عن البيئة والنظافة أمسك توفيق الحكيم المقشة وبدأ يكنس امام منزله كمبادرة منه لعل الآخرين يفعلون مثله. وظل الرفاق حائرين ينظرون الى توفيق الحكيم في عجب متوقعين انه سيقوم بكنس كل شوارع مصر نيابة عنهم. لقد أطلقنا شعار التعليم مجاناً للجميع، كالماء والهواء، والحقيقة تقول ان الدروس الخصوصية أكلت الأخضر واليابس من جيوب المواطنين. وعندما هللنا وأطلقنا صواريخ القاهر والظافر كانت نكتة لأنها سقطت قبل الوصول الى الهدف وكانت محشوة بالظلط. ولما وهبنا الله النيل، وهو من أطول وأجمل وأروع أنهار الدنيا يحسدنا عليه الآخرون، ألقينا فيه بكل همومنا ومخلفاتنا، بالتالي أصابتنا الامراض، فنحن لا نستحق النعمة. اذا كنا نحن أحفاد الفراعنة الذين تفوقوا في العلوم والفنون والهندسة وسبقوا الدنيا فلماذا نحن في آخر السلم الآن؟ ان التقويم الذي أجرته جامعة شنغهاي في الصين عن افضل 500 جامعة في العالم لم يكن لنا حظ تواجد في هذه القائمة، ومن احد الاسباب العجيبة اننا نعتبر البحث العلمي رفاهية ونصرف الملايين في الفاضية والمليانة. وفي الحديث عن صحة المواطنين وحقهم في العيش السعيد مع توفير كافة الخدمات الضرورية لجعل الانسان قادراً على العطاء للأسف الشديد اكتشفنا اننا نضحك على انفسنا. فالماء والغذاء والدواء ملوثة لأننا نغش انفسنا ونضحك على الناس. واللبن الذي يبدأ الطفل به حياته سمعنا ان هناك غشاً غير عادي يحدث في تحضيره ليدخل تلاميذنا ويتعلمون اول درس وهو ان النجاح يأتي من دون جهد من طريق الغش ونسينا ان من غشنا فليس منا، فالكثير من الشعارات رفعناها من دون ان ندرك معناها وضاعت المعاني منا في زحمة الحياة. نحن مقبلون على ازمة عالمية في المياه فما الذي فعلناه باعلان"الست سنيه"منذ 40 سنة. ما زلنا في الزراعة نغمر الارض بالمياه. وفي شوارعنا نرش الماء في شكل عشوائي وغسيل السيارات والمعدات وسلالم العمارات حدث ولا حرج على رغم ان هناك أساليب اخرى لري الزرع والاستخدامات الادمية لماء يطلقون عليه علمياً الماء العكر او غير المنقى وتكلفته حتماً أقل. نحن في حاجة الى صحوة قبل ان نستيقظ يوماً ونجد انفسنا امام ازمات كثيرة بعضها بدا يطل برأسه لمن يرى. لكنه يبدو ان الرؤية صارت معدومة عند الكثيرين. أحمد محارم نيويورك - بريد الكتروني