لو كان المطرب الراحل محمد عبد المطلب حياً لسارع بتحديث أغنيته الرمضانية المشهورة من "رمضان جانا وفرحنا به" الى "رمضان جانا وغرقنا فيه"، لأن هذا تحديداً ما حدث في الأيام الثلاثة الماضية. الأمطار الغزيرة والمصحوبة برعد وبرق بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، أعاقت حركة المرور، وصدعت منازل، وعجز مواطنون كثيرون عن الوصول الى منازلهم وقت الإفطار. وفضلت الغالبية التزام بيوتها بعد الإفطار، حتى بعد أن توقفت الأمطار أمس خوفاً من رخة جديدة مفاجئة. وفي الأحياء الشعبية، بادر الاهالي بمحاولة تصريف المياه التي بلغ منسوبها نحو متر، وأغرقت الطبقات الارضية، وذلك بخلع أغطية البالوعات، إلا أنهم فوجئوا بخروج مياه الصرف الصحي منها، مما زاد الطين بلة. وفي هذه الأحياء عانى السكان الامرين، فمن اضطر منهم إلى الخروج من بيته للضرورة فوجيء بشبه توقف تام في حركة المواصلات العامة استمرت حتى أمس. أما اولئك الذين نجحوا في القفز إلى "ميكروباص"، فوصلوا مقاصدهم وهم "مغطون بالطين". الحكماء من المواطنين الذين ضحوا بسهراتهم الرمضانية والتزموا بيوتهم بعد الافطار، لم يكن أمامهم سوى التلفزيون. لكنهم فوجئوا بتوقف ارسال القنوات الفضائية المصرية أول من أمس لبعض الوقت، وارجعه بعضهم إلى ظروف الطقس وتجرع المواطنون الحكماء الجرعة اليومية من الإعلانات التي تتخللها المسلسلات والبرامج. وحين آن "أوان الورد" تجمع الجميع أمام الشاشة الفضية ليتابعوا أحداث الوحدة الوطنية المفتعلة، وضابط المباحث هشام عبدالحميد "البُرم" الشديد الثقة بقدرته على معرفة بواطن الامور وظواهرها، وازياء يسرا وايناس مكي المستوحاة من "البلاجات" وغيرها من الأحداث والأفعال اللا معقولة. ولأن المصريين شعب يحافظ على التراث، فإنه اتباعاً لعادة المطالبة ببالوعات جانبية لتصريف مياه الامطار عقب كل نوة أو رخة، فإن الدعوة إلى تزويد الشوارع بها اندلعت هذه الأيام، ولكن يتوقع لها ان تخبو بعد أيام الى أن تغرق القاهرة مرة أخرى في شبر آخر من المياه.