ردا على شكاوى الفلسطينيين بأن "يوم فرحتكم - أي الاسرائييليين - هو يوم نكبتنا"، يشاع لدينا، نحن الاسرائيليين، الادعاء بأنه يجدر بالفلسطينيين ألا يلقوا اللوم على احد سوى على انفسهم. ذلك انهم، لو تبنوا في تشرين الثاني نوفمبر 1947 قرار التقسيم الذي اتخذته الهيئة العامة للأمم المتحدة، لكانوا قد نالوا من زمان بعيد دولة سيادية خاصة بهم على جزء من اراضي فلسطين التاريخية، ولكانوا قد تجنبوا ويلات حرب 1948 والنكبة أصلا، وبالتالي كانوا تجنبوا هزيمة حزيران يونيو 1967، مع ما اسفرت عنه من احتلال اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، والمعاناة الانسانية الرهيبة التي الحقت بالشعب الفلسطيني. يمكن التساهل مع مثل هذه المزاعم حين يتفوه بها بعض المعلقين الغوغائيين الصغار، الصادقين مع انفسهم. ولكن عندما تأتي من قبل عالم اكاديمي مرموق كالبروفيسور شلومو أفينيري، استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، وذلك في مقال له في صحيفة"هآرتس""حتى يتحملوا المسؤولية"، 10 أيار/مايو، فان هذا يتطلب بحثا مستفيضا واكثر جدية. ان الرفض الكاسح لقرارات تشرين الثاني 1947، ليس فقط من قبل الفلسطينيين بل من قبل العالم العربي بأسره، لهو حقيقة غير قابلة للانكار مع ان البروفيسور افينيري كان يحسن صنعا لو انه ذكر في مقاله بعض التنظيمات اليسارية في فلسطين ومصر والعراق، وكذلك بعض رجال الدولة العرب المحافظين، الذين نادوا منذ البداية بقبول قرار التقسيم. غير انه لا يمكن الادعاء بأن رفض الفلسطينيين والعرب الجارف لمبدأ التقسيم، وبالتالي لمشروع التقسيم العملي كما اقرّته الجمعية العامة، كان خاليا من أي منطق من وجهة نظرهم. فحين اتخذ هذا القرار كان عدد السكان العرب في البلاد ضعف عدد اليهود، فيما خصّص قرار التقسيم لليهود 55 في المئة من ارض فلسطين الانتدابية، ولم يبق للعرب سوى 45 في المئة. صحيح ان معارضة الفلسطينيين والعرب لقرار التقسيم كانت مغروسة اساسا في الصعيد المبدئي، الا ان حتى الذين كانوا على استعداد لفحص هذا المشروع براغماتيا، كانوا يستصعبون فهم لماذا خصصت للأقلية مساحة اكبر من تلك التي خصصت للاكثرية. ولم يكن يتوقع من الفلسطينيين ان يقتنعوا بالفرضية التي كانت في اساس قرار التقسيم، أي انه يجدر منح اليهود مساحة اوسع لتمكينهم من استيعاب اللاجئين اليهود الذين نجوا من المحرقة النازية. من هنا، لا يمكن الجزم بأن الفلسطينيين، برفضهم قرار التقسيم، كانوا قد ارتكبوا"خطأ تاريخيا فادحا من الناحيتين السياسية والاخلاقية"، على حد اقوال البروفيسور افينيري. فأكثر ما يمكن لومهم عليه هو انهم لم يتصرفوا بذكاء ولم يلعبوا لعبة"فن الممكن". ويهمنا في هذا الصدد ان نؤكد ان نقدا ذاتيا من هذا القبيل كثيرا ما يوجد في الخطاب السياسي العربي والفلسطيني المعاصر، ومن يهتم به سوف يجده بسهولة. ان اهم ما يجب فعله حاليا ليس جدالا عاقرا حول اخطاء الماضي، بل تفكير خلاق ومتعمق، في كيف يمكن استثمار الامكانات المطروحة الآن لدفع المصالحة التاريخية بين اسرائيل والفلسطينيين والعالم العربي الى الامام. فلا اساس على الاطلاق لمقولة افينيري الصارمة بأنه"لن تكون هناك تسوية حقيقية بين اسرائيل والفلسطينيين ما لم يكن لديهم أي الفلسطينيين استعداد ? مهما كان ضئيلا او جزئيا ? للاعتراف بأنهم ايضا يتحملون قسطا من المسؤولية لما جرى لهم عام 1948". فأولا، ان التحمل الجزئي للمسؤولية مُزمن الوجود في الادبيات السياسية الفلسطينية والعربية. ثانيا، لقد رفضت اسرائيل اثناء مباحثات كامب ديفيد في 2000 تحمّل أية مسؤولية عن خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين. ثالثا، عندما ابرمت اسرائيل اتفاقيات سلام مع كل من مصر والاردن، اللتين رفضتا ايضا بدورهما مشروع التقسيم، لم تطالبهما بتحمل مسؤولية من هذا القبيل شرطا لعقد السلام معهما. فلم تكن انظار صنّاع السلام متجهة نحو اخطاء الماضي، بل نحو تحديات المستقبل، وبهذا أحسنوا عملا. فلا مبرر اذاً ان تعامل اسرائيل الفلسطينيين بشكل يختلف عن معاملتها لغيرهم من العرب. ان التوصل الى سلام اقليمي ليس مرهونا بالضرورة بندم الفلسطينيين على اخطاء الماضي. انه بالتأكيد مرهون بانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، وباحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير القومي الى جانب دولة اسرائيل، وبأفعال واعية اخرى قد توجد، بقدر الامكان، الشفاء لآلام النكبة.