تجرى في الجزائر في 17 أيار مايو المقبل انتخابات تشريعية، يتنافس فيها، ممثلون عن 22 حزباً سياسياً معتمداً. وهذه قراءة في خريطة أهم الأحزاب الجزائرية التي لها حظوظ قوية بالدخول إلى البرلمان، لا سيما حزب"جبهة التحرير الوطني"الذي يملك الغالبية البرلمانية، والذي يتبعه مباشرة حزب"التجمع الوطني الديموقراطي"بزعامة أحمد أويحيى رئيس الحكومة السابق، والحزب الإسلامي"حركة مجتمع السلم". وتشهد معظم قواعد الأحزاب الجزائرية المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة غلياناً كبيراً مع كشف قياداتها عن قوائم المرشحين للموعد المنتظر، وبلغت ثورة المقصيين أقصى درجاتها مع إعلان مئات الغاضبين شقهم عصا الطاعة على تنظيماتهم ومناصرتهم قوى سياسية أخرى، ما يهدد طموحات تشكيلات كثيرة نالت منها الفتنة، ويجعلها في مواجهة جبهة جديدة من المتاعب، بدلاً من التحضير الجيد للموعد الانتخابي الأول في الجزائر. 1- حزب جبهة التحرير الوطني: إنه الحزب الذي حكم الجزائر منذ استقلالها عام 1962 وحتى مطلع التسعينات من القرن الفائت، بصفته القوة السياسية الأولى في البلاد، حتى الانتخابات التشريعية التي أجريت في نهاية عام 1991 وبداية عام 1992، والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ما أدى إلى حدوث انقلاب على العملية الديموقراطية أدخلت الجزائر في أتون حرب أهلية استمرت عقداً من الزمن. وشهد هذا الحزب أزمة كبيرة، عندما أعلن أمينه العام السابق علي بن فليس ترشيح نفسه رسمياً للانتخابات الرئاسية عام 2004. فاحتدم الصراع آنذاك بين مؤيدين لرئيس الجمهورية، كانوا يمثلون أقلية داخل الحزب، ولا يحتلون مواقع مقررة في الجهاز الحزبي، وبين مؤيدين لرئيس الحكومة بن فليس خصم بوتفليقة ومنافسه المعلن في الانتخابات. في غضون ذلك قام عبدالعزيز بلخادم الذي أظهر وفاءه المطلق للرئيس بوتفليقة، بپ"حركة تصحيحية"منعت"حزب جبهة التحرير الوطني"الذي كاد أن ينشق خلال عامي 2003 و2004 من الاصطفاف على أرضية الخط السياسي لعلي بن فليس الأمين العام للحزب، وأعادت اللحمة إلى الحزب، فانتخب في 2 شباط فبراير 2005 أميناً عاماً جديداً في أعقاب المؤتمر الثامن التوحيدي. وفي أجواء الانتخابات التشريعية المقبلة، جاءت"جبهة التحرير"الحزب الحاكم في صدارة القوى التي نالت منها صيحات الاستهجان ونبرات التمرد، حيث يشهد الحزب الذي سيدخل معركة انتخابات الشهر المقبل بپ525 مُرشحاً، بينهم 72 امرأة و35 مجاهداً و30 ابن شهيد و64 مترشحاً تقل أعمارهم عن 40 سنة، أجواء مأزومة بعد اتهام قطاع من القواعد قيادة الحزب بتفضيل من نعتوهم بپ"الديناصورات"وممارسة الإقصاء ضد محسوبين على جناح الأمين العام السابق علي بن فليس، بعدما جرى وضع نصف وزراء الحكومة على رأس القوائم. ويجد زعيم الجبهة رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز بلخادم نفسه في وضع لا يحسد عليه بسبب الغليان المستشري في عموم المحافظات، ما سيلقي بظلاله على تحجيم حظوظ"الجبهة"في الاقتراع. 2- حزب التجمع الوطني الديموقراطي: من المعلوم تاريخياً أن"حزب التجمع الوطني الديموقراطي"هو انشقاق عن جبهة التحرير الوطني، عندما بدا أن المؤسسة العسكرية الجزائرية استعادت المبادرة في ظل رئاسة اليمين زروال في منتصف التسعينات، وعندما بدأت"جبهة التحرير"في ظل رئاسة عبدالحميد مهري تدعو إلى حوار مع"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"المنحلة. فقد تأسس"حزب التجمع الوطني الديموقراطي"في شباط من عام 1997، وفاز في الانتخابات النيابية التي أجريت نهاية أيار من العام عينه - أي بعد ثلاثة أشهر فقط - قبل أن يحصد المجالس المحلية في الانتخابات التي تمت في تشرين الأول اكتوبر من السنة ذاتها، الأمر الذي أوحى للكثيرين أن عملية تزوير واسعة قد حصلت، وهذا بالضبط ما أشار إليه بلخادم قبل التغيير الأخير، معرباً عن خشيته من أن يتكرر الأمر في الانتخابات التشريعية المقررة عام 2007. وكان"حزب التجمع الوطني الديموقراطي"الذي يقوده أحمد أويحيى قد مني بخسارة كبيرة في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 وضعته في الصف الثالث مع حوالى 48 نائباً، وذلك في الوقت الذي حصل حزب"جبهة التحرير الوطني"صاحب الأكثرية المطلقة في المجلس الوطني الشعبي على 210 مقاعد نيابية من 385، 16 وزيراً لجبهة التحرير في مقابل 5 لحركة"مجتمع السلم". ولم يسلم حزب"التجمع الوطني الديموقراطي"من الهزات الارتدادية لإعلان القوائم في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث ثارت حركات احتجاجية، قادها مقصيون رأوا أن الأمين العام أحمد أويحيى خذلهم وهضم حقهم في التمثيل الانتخابي. ولم تقتصر هذه الموجة من حالات التمرد على القواعد، بل امتدت إلى بعض الكوادر العليا التي رأت أن الأسماء المرشحة غير تمثيلية اطلاقاً. 3- حركة مجتمع السلم حماس: مع إقرار التعددية في الجزائر عقب"انتفاضة"تشرين الأول 1988، اكتفى الشيخ محفوظ نحناح في البداية بتأسيس"الجمعية الوطنية للإرشاد والإصلاح"في اليوم نفسه الذي تأسست فيه"رابطة الدعوة الإسلامية"أي في 12 /11/1989، التي اعتبرها غير سياسية. وكان للنجاح الكاسح الذي حققته"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"في الانتخابات البلدية عام 1990 أثر عميق في دفع الشيخ محفوظ نحناح إلى تشكيل تنظيمه السياسي الخاص به. فأسس"حركة المجتمع الإسلامي"حماس بتاريخ 6 كانون الأول ديسمبر 1990، وانتخب رئيساً للحركة في مؤتمر تأسيسي عقد في 29 أيار 1991. تمثل حركة"حماس"الاتجاه الإسلامي المعتدل في الجزائر، وهي امتداد تاريخي لتنظيمات الإخوان المسلمين، واستقطبت جزءاً أساسياً من القاعدة الانتخابية لپ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"التي قدمت لمحفوظ نحناح الدعم على أمل أن يُحقق لها جزءاً من أحلامها. وينادي الشيخ محفوظ نحناح باستراتيجية إصلاحية تأخذ بالتدرج في تحويل الدولة والمجتمع والسلوك الفردي في ضوء التعاليم الإسلامية، وعدم التعاطي مع المسألة الديموقراطية على أنها"كفر ووافدة غربية"بل انطلاقاً من الرؤية التي يتبناها تيار"الإخوان المسلمين"على النطاق العربي. وحاول نحناح أن يقدم صورة مغايرة لحركته تكون بديلة من"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، صورة حركة منفتحة، ترفع خطاب التسامح والحوار مع الديموقراطيين والعلمانيين. ولجأت حركة"حماس"إلى تغيير اسمها، فأصبحت تسمى"حركة مجتمع السلم"، لأن الدستور الجديد عام 1997 يحظر قيام الأحزاب على أساس ديني أو ثقافي أو جهوي أو لغوي أو جنسي أو مهني، وهي تأمل لكونها تمثل على الدوام الإسلام المعتدل غير المجاهد أن تكون حزب إسلام الدولة في المرحلة المقبلة. بعد أن توفي الشيخ محفوظ نحناح في عام 2003 عن عمر يناهز 61 عاماً، خلفه في رئاسة الحركة أبو جرة سلطاني، فتراجعت الحركة في عهده إلى المرتبة الرابعة بحصولها على 38 مقعداً، علماً أنها قدمت نفسها في يوم من الأيام بديلاً للجبهة الإسلامية للإنقاذ. لكن"حركة مجتمع السلم بزعامة أبو جرة سلطاني فضلت هذه المرة ترشيح وجوه جديدة على رأس قوائمها في مختلف الولايات وسط أزمة حادة في شأن جدوى إعادة ترشيح من قضى في البرلمان ولايتين، وهو ما تسبب في بروز مؤشرات تصدع في قواعد ناخبي هذا الحزب الإسلامي في بعض الولايات حيث غاب الإجماع حول"فارس"قائمة الحزب. وتعيش"حركة مجتمع السلم"هزة عنيفة بعد استبعاد أسماء كبيرة فيها عن الترشيح، وتنفيذ زعيمها أبو جرة سلطاني وعيده بحرمان نواب سابقين من الترشح لولاية جديدة. وطاولت الهزة نفسها"حزب العمال اليساري"المعارض الذي امتعض فريق من ناشطيه لتعيين زعيمته لويزة حنون 16 امرأة رئيسات لقوائم. 4- حركة الإصلاح الوطني في الجزائر: ينتمي الشيخ عبدالله جاب الله رئيس"حركة النهضة الإسلامية"إلى جيل الشباب داخل الحركة الإسلامية الجزائرية، ويمثل في الوقت عينه الوجه"الثقافي"لها. و قد ولد في وسط معدم إلى حد كبير في بوشتاته بولاية سكيكدة في 2 أيار 1956، وبدأ في دراسة القانون في جامعة عين الباي في قسنطينة عام 1974، ثم أكمل تعليمه بالسعودية، وعاد من هناك وسجن مرات عدة. وتشكل"الجماعة الإسلامية"التي تشكلت في قسنطينة العام 1974 نواة تاريخية لحزبه بعد ذلك بپ15 سنة. وكانت الجماعة الإسلامية على علاقة وثيقة بتنظيم"الإخوان المسلمين"وتركز في نشاطها على التربية والتعليم والتوجيه. وفي عام 1988، تحولت"الجماعة الإسلامية"في عهد التعددية السياسية إلى"حركة النهضة للإصلاح الثقافي والاجتماعي"ثم أعلن عنها رسمياً في آذار مارس 1989 تحت اسم"حركة النهضة الإسلامية"بزعامة الشيخ جاب الله. وتعتبر حركة النهضة حزباً سياسياً إسلامياً معارضاً ينتمي إلى التيار الإسلامي الإصلاحي"العقلاني سياسياً"، وقد أصبح هذا الحزب مؤثراً داخل الساحة الإسلامية الجزائرية، بعد الانقلاب العسكري الذي حصل في أوائل 1992 ودخول الأزمة الجزائرية طوراً جديداً من الحرب الأهلية المدمرة. وشارك الشيخ عبد الله جاب الله زعيم حركة الإصلاح الوطني في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 30 أيار 2002، واحتلت حركته المرتبة الثالثة بحصولها على 43 مقعداً. وكان الشيخ جاب الله أخرج من النافذة عبر رفاقه في حركة"النهضة"، وعاد إلى العمل السياسي من الباب الكبير بعد الانتخابات الرئاسية ليؤسس حزبه الجديد"حركة الإصلاح الوطني"ويحقق فوزاً كبيراً اليوم. غير أن"حركة الإصلاح الوطني"شهدت أزمة سياسية كبيرة تفجرت في العام 2004 بعد انقسام قيادة الحركة إلى فصيلين: الأول أيد ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية أخرى بقصد الدخول في الحكومة، والثاني دعم جاب الله في سباق الرئاسة. ويغيب عن هذا الاستحقاق أيضاً الجناح المؤيد للشيخ عبدالله جاب الله ضمن الحزب الإسلامي"حركة الإصلاح الوطني"، الذي قرر مقاطعة الاستحقاق بعد قبول وزارة الداخلية اعتماد قيادة"الحركة التصحيحية"للحركة والتي انقلبت عليه في مؤتمر وطني نظم قبل أسبوعين في العاصمة لسحب الثقة من جاب الله. وتعتبر"حركة الإصلاح الوطني"الحزب الأول المعارض في البرلمان الحالي وغيابها يعني غياب المعارضة في البرلمان المقبل. وفيما فجر أنصار الزعيم الإصلاحي السابق عبدالله جاب الله مفاجأة مثيرة بمشاركته في المنافسة في الانتخابات التشريعية، تحت مظلة الحزب الصغير"الحركة الوطنية من أجل الطبيعة والنمو"، خاض محتجون رهان اللحظة الأخيرة، وشكلوا قوائم حرة موازية في الوقت الضائع، وترجمت حالات تذمر عبر المحافظات، بجنوح بعضهم إلى محاولة حرق مقرات، بعدما فضلت زعامات سياسية عدم الانصياع لمساومات هؤلاء، وارتضت وضعهم وجهاً لوجه أمام الأمر الواقع، ما أحدث استقالات وانسحابات جماعية. 5- حركة العروش البربرية: وفيما يقاطع هذه الانتخابات حزب"جبهة القوى الاشتراكية"بزعامة حسين آيت أحمد الذي يعتبر أهم حزب بربري أمازيغي، تدخل"حركة العروش"البربرية غمار هذا الاستحقاق الانتخابي. وعقب تمرد الربيع البربري، الذي طغت عليه مناهضة النظام الجزائري الموسوم بالفساد والديكتاتورية، قام الشباب المتمرد في منطقة القبائل بتشكيل لجان القرى، وهي ظاهرة سياسية جديدة، ولكنها تندرج في إطار أشكال قديمة من الصراع. فلجان القرى تمثل منذ قرون الترجمة الملموسة للنسيج والروابط الاجتماعية المكثفة جداً بين السكان البربر. وتحدث هذه اللجان دينامية خاصة بالتعبئة، وتجمع في صفوفها العقلاء، ومن بينهم العديد من الشباب. من هنا جاءت فكرة العودة إلى نظام مجالس القرى وپ"العروش"، التي تمثل سلطة معنوية ديموقراطية منذ قرون... فتعين كل قرية ممثلين عنها بالتوافق لا بالاقتراع ويجتمع هذان الممثلان في"مجلس العرش"الذي يضم 114 عضواً يتم اختيار ستة منهم ليمثلوا هذا المجلس على صعيد ولاية تيزي أوزو. وقد تشكلت جميع"العروش"على هذا النحو في جميع الولايات الكبيرة الناطقة بالأمازيغية لتمثل المناطق الريفية. أما في المدن الجديدة فتحل مجالس الأحياء أو مجالس المقاطعات محل هذا النوع من التمثيل. ويعبر هذا النوع من التنظيم المبني على أساس التوافق عن قلق من الانقسام وعن رغبة في إعادة تأسيس أسطورة وحدة القبائليين في وجه السلطة المركزية. ويعتبر معظم أعضاء"العروش أن الحزبين البربريين أي"جبهة القوى الاشتراكية"وپ"التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية"الذي انخفضت نسبة مؤيديه كنتيجة لاشتراكه في الحكومة، لم يؤديا إلا إلى مزيد من الانقسام. * كاتب تونسي