"لأن غوغل يعرف عنا أكثر بكثير مما نعرف عنه، كان لا بدّ من سؤال : أيجب أن نخشاه؟"كان هذا لسان حال الكاتب والاختصاصي في التكنولوجيا الجديدة ستيفان أوسمان والمخرج سيلفان بيرجير حين قررا أن يقتحما عالم غوغل، ويضيئا على هذه التجربة الناجحة، بإيجابياتها وسلبياتها في فيلم وثائقي 90 دقيقة يحمل عنوان السؤال الأول "أيجب أن نخشى غوغل؟" ويحاول الإجابة عنه من خلال كثير من الأدلة والبراهين. لماذا غوغل؟ لأنه بكل بساطة"آلة البحث المعلوماتي الأكثر استخداماً في العالم"و"قصة النجاح الأكثر سطوعاً في تاريخ الإقتصاد"، كما يقول الكثير من الدراسات. أما أصحاب الشكوك فما عليهم سوى ان يتابعوا سهرة الليلة على قناة"أرتي"الفرنسية الألمانية، وعنوانها"أسياد العالم الجدد: غوغل، آبل، ومايكروسوفت"... الثلاثي الشهير الذي غزا العالم وأحدث ثورة أسهمت في ترسيخ احتكار التكنولوجيا... ما دفع بعضهم الى الشعور بأن طيف الأخ الأكبر ووعيده عادا في أشكال مختلفة. ولمن لا يعرف"الأخ الأكبر"هو مصطلح اخترعه الكاتب البريطاني جورج اورويل في منتصف القرن العشرين في روايته"1984"، مشيراً بذلك إلى"الدولة"التي تتسلط على المواطن وتضطهده تحت حجة أنها ترعاه، فتقسو على الأخ الأصغر المواطن وتراقبه وتتدخل في حياته وتقرر مصيره تحت أعذار مختلفة. ويأخذ غوغل اليوم مكان الدولة في تعريف أورويل السابق. ذلك أن تعاظم دوره في حياة الأفراد، ومظهره الديموقراطي وجبروته، جعله بمثابة الأخ الأكبر، على الأقل هذا ما يحاول أن يقوله فيلم"أيجب ان نخشى غوغل"الذي يفتتح سهرة"آرتي". بين النجاح والاحتكار يقدم القائمون على هذا الوثائقي تحقيقاً جدياً ونقدياً في الوقت ذاته حول"أحد أسياد العالم الجدد": غوغل. هو جدي لأنه يقدم قصة النجاح اللامتناهية التي عرفها مؤسسا غوغل الفتية سيرجي برين ولاري باج وهما لم يكونا تجاوزا ال 24 من عمرهما حين دخلا عالم غوغل وهما على مقاعد الدراسة في ستانفورد ووصول آلة البحث هذه الى القمة... وهو ناقد طالما تركز الكاميرا على الاحتكار الذي يأتي ليناقض مبادئ غوغل الديموقراطية في مشاركة المعرفة. من هنا، يحاول هذا الوثائقي أن يسلط الضوء على هذه المؤسسة في محاولة لشرح طريقة عملها: استراتيجياتها، خدماتها، من المجموعات الصحافية في"أخبار غوغل"الى الكتاب في"كتب غوغل"الى المجموعات السمعية البصرية مع"غوغل فيديو"و"يوتيوب"... والتطورات التي شهدتها في السنوات الأخيرة... وبكلمات أدق: الحكاية التي تمتلك كل مقومات الأسطورة، ولكن ليس في شكل روائي سردي، إنما من خلال جمع مقابلات مع اختصاصيين في الانترنت من هنا وهناك، مقابلات محبوكة في شكل حيوي، تدخل في عمق هذه الظاهرة... وتضيء على الدور المتزايد الذي تلعبه هذه المؤسسة في حياة الأفراد. "مع غوغل لم تعد فضلات الطعام عبئاً على ربة المنزل. يكفي أن تكتب أسماء ما توفر لديها على هذا الجهاز حتى تأتيها على الفور الوصفة"، تقول عجوز اكتشفت فوائد هذه الخدمة في حياتها اليومية"متأخرة"،"ولكن كما يقول المثل أن يأتي الشيء متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً". ويعلّق صحافي ضاحكاً:"إن تمكن غوغل من مساعدة هذه السيدة في وجبة الغد، فما بالك في إشباع فضولي في الحصول على ما كتب عني أو نقل في صحافة العالم". ويضيف:"منذ اكتشفت"سرّ"ضغط اسمي على محرك البحث في غوغل، وحصلت على آلاف النتائج، صرت مدمناً على"اللعبة"... أسئلة تزعج لا يكتفي هذا الوثائقي بتقديم الجانب المضيء من الحكاية، إنما يطرح أيضاً القضايا التي تزعج... من زوابع الدعاوى القضائية حول القرصنة، الى الكتب التي تصبح رقمية تحت حجة حق المعرفة، الى الاتفاقات المثيرة للريبة مع الحكومة الصينية، وحجب بعض خدماتها هناك تلبية للضوابط التي وضعتها الحكومة، الى اتهام موقع"يوتيوب"بخرق دولي كبير لحقوق الملكية الفكرية... ويسأل: كيف يمكن لغوغل أن يكون حريصاً على حريات مستخدمي الإنترنت في الولاياتالمتحدة في وقت يتحكم في الحريات المماثلة للمستخدمين في الصين؟ ثم هل حان الوقت لإزالة المواد غير المصرح بتحميلها من الموقع؟ ماذا عن اتهامه بالتلاعب في نتائج محركي البحث التابعين له؟ وهل فعلاً بدأت ملامح تشكيل جبهة مناهضة لمساعي غوغل للسيطرة على سوق الانترنت تخرج إلى دائرة الضوء، بعدما توصلت الشركة الأميركية إلى اتفاق لشراء شركة"دبل كليل"المتخصصة بالإعلانات في الانترنت؟ ولا شك في ان هذا الوثائقي سيقرّب المسافات أكثر بين غوغل والجمهور العادي الذي يهمه أن يعرف عن مشروع محرك البحث المستقبلي هذا أكثر من عرض قصة النجاح التي بدأت من لاشيء، فالنقد موجود، لكن هذا لم يمنع احدهم من التعليق: كيف يمكن ل"أرتي"أن تنتقد غوغل وهي تعتمد على خدمة غوغل فيديو لتسويق برامجها؟ پوبعد، من يشك بوصف"غوغل"ب"الأخ الأكبر"الجديد القادر على تغيير مجرى القرن الحادي والعشرين؟ * يعرض اليوم في الساعة 20.15 بتوقيت غرينتش