تقف جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن على أعتاب مرحلة عاصفة من الحسابات والتوازنات السياسية تصاحبها حالة من النشاط المكثف، وذلك في سياق الإعداد للانتخابات البلدية والنيابية في الأشهر القريبة القادمة، التي ستمثل محكّاً حقيقياً لقوة الجماعة ومدى هيمنتها على الشارع من جهة، ولعلاقتها بالمؤسسة الرسمية والرسائل المتبادلة بين الطرفين من جهة ثانية، ولصراع القوى داخل الجماعة نفسها من جهة ثالثة. يبدو واضحاً أن الأزمة الخانقة التي أصابت العلاقة بين"الإخوان"والمؤسسة الرسمية في الفترة الأخيرة - وترافقت مع سجن أربعة نواب من"الإخوان"وفصل اثنين منهم ومصادرة إدارة جمعية المركز الإسلامي التي تمثل العصب المالي للجماعة والحملات الإعلامية المتبادلة - في طريقها إلى الانتهاء، ويمكن بسهولة رصد خطاب جديد للمؤسسة الرسمية تجاه الجماعة يقوم على التوجه نحو إعادة هيكلة دورها السياسي والتوافق من جديد على قواعد اللعبة السياسية، من خلال فتح قنوات من الحوار والنقاش مع"أطراف"داخل الجماعة. مسؤول رفيع المستوى لم يتردد في التصريح بأنّ جماعة"الإخوان"هي بمثابة شريك سياسي لمؤسسة الحكم، وأنّ هناك اتفاقاً على كثير من القضايا، وخلافات يمكن تسويتها. فهذه اللغة مختلفة تماماً عن لغة المؤسسة الرسمية في الآونة الأخيرة، التي كانت تشكك بولاء الجماعة ووطنيتها وبدورها السياسي. أحد محركات الأزمة السابقة تمثّل في تداعيات فوز"حماس"في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، إذ حرّكت القوى المناهضة ل"الإخوان"والحرس القديم داخل النظام دعاية مضادة ضد الجماعة محذرة من نفوذها في الشارع، ومن خطورة أن يفتح انتصار"حماس""شهية الجماعة إلى السلطة"، وقد ترافق ذلك مع اختيار زكي بني رشيد - الذي تعتبره دوائر رسمية مقرباً من"حماس"- أميناً عاماً لجبهة العمل الإسلامي، ما وصل بالأزمة إلى مرحلة حرجة، قبل أن تعود الأمور إلى الانفراج بعد توقيع"الإخوان"على بيان يتضمن قضايا توضيحية رئيسية في علاقتهم بالمؤسسة السياسية، يؤكدون فيه ولاءهم للعرش وقبولهم بالخط"الإسلامي المعتدل"، وترافق ذلك مع اتصالات غير معلنة بين الطرفين بهدف تسوية المشكلات العالقة. تبدو الجماعة أمام معادلة دقيقة في الانتخابات القادمة، فمن جهة - كما أوضحت رسائل متعددة منها - تريد طمأنة المؤسسة الرسمية حول عدم رغبتها في كسر المعادلة التقليدية في تمثيلها السياسي سواء في البلديات أو مجلس النواب، وعلى الجهة المقابلة تسعى الجماعة إلى إثبات قوتها ونفوذها السياسي في الانتخابات القادمة، لما لذلك من أبعاد ودلالات سياسية مهمة. في الانتخابات البلدية - التي ستجري غالباً في شهر تموز يوليو المقبل - لا تتوافق الرسائل التطمينية مع حرص الجماعة على المنافسة الشديدة في كل من مدينتي إربد والزرقاء على منصب رئاسة البلدية إذا صح ترشح كل من د. نبيل الكوفحي وسعود أبو محفوظ، فوفقاً للقراءة الرسمية فإنّ فوز"الإخوان"برئاسة وعضوية أكبر بلديتين في البلاد بعد أمانة عمان الكبرى التي يعين أمينها العام ونصف أعضائها يبعث على القلق الرسمي من الانتخابات النيابية ذاتها، على رغم ثبوت بقاء قانون الصوت الواحد الذي يحدّ كثيراً من فرص"الإخوان"في إحداث تغير نوعي في التمثيل النيابي، وهو ما يبدو أنّ الجماعة لا تسعى إليه في الانتخابات المقبلة. على الطرف المقابل، فإنّ هنالك منافسة حقيقية وحادة داخل جماعة"الإخوان"بين كل من تيار الوسط المتحالف مع الحمائم والتيار المقرب من"حماس"والمتحالف مع الصقور، إذ يسعى كل تيار إلى أن يشكل هو قوائم المرشحين في الانتخابات البلدية والنيابية، وستقدم أسماء المرشحين دلالة واضحة على قوة التيارين داخل القواعد الإخوانية، بخاصة أن الانتخابات التنظيمية الأخيرة حققت مفاجأة حقيقية بفوز تيار الوسط بالأغلبية في المكتب التنفيذي في كل من الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي، في حين ينشط التيار الرابع المقرب من"حماس" حالياً لتثبيت مرشحيه وتقوية وجوده داخل الجماعة. ثمة مؤشرات متعددة أن مؤسسة صنع القرار تفضل التعامل مع تيار الوسط على التيار الرابع، ويرتبط ذلك بالتوتر القائم حالياً بين الحكم الأردني والمكتب السياسي لحركة"حماس"بقيادة خالد مشعل. فإذا تمكن تيار الوسط من تثبيت مرشحيه للانتخابات فستكون أبواب الحوار مشرعة بين الجماعة والمؤسسة الرسمية، وفي الحال الأخرى فستطرح تساؤلات جوهرية، مرة أخرى، عن العلاقة بين الطرفين. ما قد يكون مؤثراً في الانتخابات النيابية هو تراجع الجماعة والحزب عن قرار استثناء الصف الأول من الترشح للانتخابات النيابية، فالعودة"المحتملة"للمخضرمين في الجماعة - كالدكتور إسحاق الفرحان وحمزة منصور - الذين يملكون خبرة عريقة في إدارة الأزمات مع مؤسسة القرار، سلطف الأجواء في المعادلة السياسية. أحد أبرز الأسئلة التي تكتنف استعداد"الإخوان"للمرحلة الانتخابية المقبلة يتمثل في علاقتهم ب"حماس"، بعد الرسالة التي وجهها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة إلى قيادة"الإخوان"مطالباً بفك الارتباط التنظيمي الرمزي بين الحركتين، وما صاحب هذه الرسالة اللافتة من جدل إخواني داخلي وسياسي إعلامي عام. معلومات مقربين من الجماعة تؤكد أن المكتب التنفيذي وافق على عملية فك الارتباط، لما لذلك من أثر إيجابي على علاقة الجماعة بمؤسسة صنع القرار، في حين رفض مجلس الشورى ذلك مؤكداً على بقاء"حماس"على علاقة تنظيمية، وليس فقط"عاطفية"مع"الإخوان"، ما دفع إلى إحالة الموضوع إلى مكتب الإرشاد العالمي للحسم في القضية. يشير مقربون من الجماعة الى أنّ هنالك قراءتين لرسالة مشعل، الأولى تتعلق بوجود مشكلة كبيرة داخل تنظيم"حماس"في الضفة الغربية، إذ يعاني من حالة ترهل كبيرة، على النقيض من حالة"حماس"في غزة، وما زال تنظيم الضفة يتبع إدارياً، ولو رمزياً، للأردن. فما يسعى إليه مشعل هو التركيز على"حماس الضفة"وتقويتها من خلال ضم أفراد"الإخوان"من الفلسطينيين العاملين في الخليج، الذين يملكون خبرات وموارد مالية كبيرة، إلى تنظيم الضفة وإعادة تأهيله. ويشير الذين يتبنون هذه القراءة إلى أن معارضة"الإخوان"الإردنيين لهذه الخطوة تعود الى الخوف من نضوب المورد المالي الخليجي عليهم وتحوله باتجاه الضفة الغربية. أمّا القراءة الثانية، فتقوم على ربط رسالة مشعل باتفاق مكة، ويرى أنصار هذه القراءة أنّ هاجس المكتب السياسي لحركة"حماس"هو أن يؤدي اتفاق مكة ونجاح تجربة حكومة الوحدة الوطنية إلى إعادة الاعتبار لقيادة الداخل، ما يفقد مشعل قيادته للحركة، أو يصبح كفاروق القدومي، أمين سر حركة"فتح"، بلا صلاحيات حقيقية. وفقاً لهذه القراءة، تسعى خطوة مشعل الجديدة إلى إحداث توازن بين"حماس"في الداخل والخارج، من خلال تنظيم دولي ل"حماس"يضم"الإخوان"الفلسطينيين في فلسطين ولبنان والخليج وأوروبا والولايات المتحدة ومختلف الدول، باستثناء الأردن، الذي يتمتع الفلسطينيون فيه بالجنسية الأردنية، وهو ما يخلق توازنات تنظيمية جديدة تبقي مشعل في القيادة من ناحية، وتعزز فرص"حماس"في مقاعد أكثر داخل منظمة التحرير في حال أعيد تشكيلها من جديد. استثناء"إخوان"الأردن من هذه الخطوة التي يمكن أن تسعى اليها"حماس"لا يعني إنهاء نفوذها داخل جماعة"الإخوان"، إذ يمكن أن يحصل ذلك من خلال تيار وأفراد من دون أن يكونوا رسمياً أعضاء في"حماس"، كما تشير مصادر رسمية أردنية تتخوف من خطوة مشعل ودورها بخاصة أنّ الكتلة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في الخارج هي في الأردن، والذي سكون مجالاً خصباً لنشاط"حماس الدولية"، حتى وإن لم يكن ذلك مباشرة، فمن خلال التيار المقرب منها في جماعة"الإخوان". يبدو مشروع فك الارتباط خطوة استراتيجية للمكتب السياسي لحركة"حماس"، وسواء كانت القراءة الأولى أم الثانية هي الأقرب لتفسيره فأغلب الظن أن مكتب الإرشاد العالمي سيحسم الأمر لصالح موقف"حماس"! * كاتب وصحافي اردني