سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الانتخابات النيابية الأردنية : مراجعة في العلاقة بين الدولة ونخبها العلمانية والاسلامية - "الإخوان المسلمون" في أزمة عاصفة : الاقتراع وفك الارتباط مع "حماس"
تواجه قيادة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أزمة داخلية كبيرة وهي على أبواب الانتخابات النيابية. الأزمة وإن تفجّرت على خلفية قائمة مرشحي الحركة، الاّ أنّ جذورها تعكس الخلافات بين النخب القيادية، وبالتحديد بين تيار"الوسط"المقرّب من"حماس". بيد أنّ مصادر داخل الجماعة تؤكد أنّ ما يحصل حالياً هو بمثابة مخاض حقيقي ناجم عن انفصال حركة"حماس"رسمياً عن الإخوان، وإقرار مكتب الإرشاد العام للحركة بحقها في بناء تنظيم مستقل له مراقب عام ومكتب تنفيذي خاص يمثل الجماعة في الأراضي المحتلة. الحرب الإعلامية داخل الإخوان أبرز ملامح الأزمة الإخوانية تبدّت مع"حرد"الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، زكي بني أرشيد، احتجاجاً على الأسماء الموجودة في القائمة، إذ استنكف عن حضور المؤتمر الصحافي الذي عقده الحزب للإعلان عن قائمته، على رغم إعلان الموقع الرسمي للحزب على شبكة الانترنت قبل يوم من المؤتمر أن بني أرشيد سيدير المؤتمر، وهو ما أوحى للمراقبين بانفراج الأزمة الداخلية، إلاّ أنّ غياب بني أرشيد المفاجئ أدّى إلى إحراج قيادة الجماعة والحزب التي كانت تحرص على التقليل من شأن الخلافات الداخلية ومن"حرد"بني أرشيد. الخلافات الإخوانية انعكست في الحملة الإعلامية الاستثنائية التي قادها التيار المتشدد ضد تيار الوسط، الذي يسيطر حالياً على المكتب التنفيذي في كل من جماعة الإخوان والحزب. التيار المتشدد اتّهم الوسط بالتواطؤ مع الحكومة واستبعاد العناصر"غير المرغوب فيها رسمياً"من القائمة، كالنائب علي العتوم والنائب السابق همام سعيد، وبترشيح عدد من الأسماء التي لم تقدّمها القواعد، وفي مقدمها رحيل غرايبة، ونمر العساف، ونبيل الكوفحي، الذين يمثلون قيادات تيار الوسط، وهم أعضاء في المكتب التنفيذي في حزب جبهة العمل الإسلامي، إضافة إلى الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي عبداللطيف عربيات. مصادر داخل التيار المتشدد، إضافة إلى عدد من الكتّاب والإعلاميين، رأوا أنّ محدودية المشاركة الإخوانية 22 مرشحاً، إضافة إلى صيغة المشاركة تيار الوسط والاعتدال والمواجهة التي دخلها تيار الوسط مع الأمين العام، وعودة الحمائم للعب دور كبير في الأزمة الحالية، بل وفي المشاركة في الانتخابات المقبلة، جميع هذه المؤشرات هي بمثابة رسالة واضحة من قيادة جماعة الإخوان إلى المؤسسة الرسمية أنّ التيار المعتدل يتولّى السيطرة على الأمور، بخلاف الحملة الإعلامية الرسمية العنيفة على جماعة الإخوان بأنّها أضحت مختطفة من جانب قيادة مقرّبة من حركة"حماس"، بينما تيار الاعتدال ضعيف وغير مؤثر. لم يتردد التيار المتشدد في التنكيل إعلامياً بتيار الوسط واتهامه بعقد صفقة مع الحكومة وپ"بيع الجماعة"، ووجّه المتشددون اتهامات صريحة ضد تيار الحمائم, ونال المراقب العام السابق للإخوان عبدالمجيد ذنيبات نصيباً وافراً من هجوم التيار المتشدد. وسُرّب للإعلام أنّ التيار المتشدد سيسعى إلى تعديل على القائمة من خلال التأثير على القواعد، وربما الاستنكاف عن المشاركة الفاعلة في الحملة الانتخابية للحزب، وصولاً إلى التأثير سلباً على عدد المقاعد، ثم خوض معركة داخلية لإسقاط تيار الوسط، كما حصل في الانتخابات التنظيمية عام 2003. أخذت الأزمة الداخلية أبعاداً إضافية باستقالة النائب الإسلامي، نضال العبادي، من جماعة الإخوان، احتجاجاً على استبعاده من القائمة، على رغم ترشيح القواعد له. وعبّر عن حال مماثلة من الغضب والاحتجاج عدد ممن استبعدوا في مقدمهم النائب زهير أبو الراغب. كما تشير مصادر مطّلعة داخل الجماعة إلى أنّ التيار المتشدد مع عدد من المستبعدين من الترشيحات تقدّموا بعريضة احتجاجات شديدة اللهجة لقيادة الجماعة. معايير جديدة لاختيار المرشحين مصادر داخل تيار الوسط لا تنفي وجود معايير جديدة لاختيار المرشحين، لكنها لا توافق على أنّ ترشيحات القواعد تمّ تجاهلها، إذ تؤكد هذه المصادر أن قرابة 80 في المئة من ترشيحات القواعد تم إقرارها وتنفيذها، في المقابل جرى تقويم حقيقي لأداء نواب الحزب في المجلس السابق، وتمّ على أساسه استبعاد العديد من الأسماء التي أثبتت عدم كفاءتها لتمثيل الحزب في مجلس النواب، بل كانت خطاباتها محرجة للجماعة ولا تعكس مواقفها الفكرية والسياسية. ويرى قيادي إخواني أنّ الجماعة اليوم في موقف لا بد من أن تحسم من خلاله مسائل كثيرة، فما قيمة وجود نواب يمثلون الجماعة لا يؤمنون بالعملية الديموقراطية أو يتبنون مواقف فكرية متشددة تُحسب على الجماعة وتخدم خصومها السياسيين في هذه المرحلة الحرجة؟! فالمسألة ليست بقدرة النائب على الخطابة وتحريك العواطف بقدر ما هي امتلاكه مؤهلات سياسية حقيقية. في هذا السياق يرى رحيل غرايبة، أحد رموز تيار الوسط الذي تعرّض لحملة إعلامية شرسة، أنّ القائمة الحالية تُعد من"أفضل القوائم التي قدّمتها الجماعة في الانتخابات النيابية"، إذ أنها تعكس مستوى سياسياً وفكرياً رفيعاً، وتتضمن أسماء ستقدم خطاباً وأداء متميزاً في حال قُدِّر لها الوصول إلى البرلمان. غموض في موقف المؤسسة الرسمية! ثمة اتجاهات متعددة في تقدير الموقف الدقيق للمؤسسة الرسمية من الأزمة الداخلية الإخوانية، بخاصة أنّ هذه الأزمة تأتي مباشرة بعد الأزمة الكبيرة بين الحكومة وبين الإخوان على خلفية الانتخابات البلدية. وعلى خلاف ادعاء التيار المتشدد بوجود صفقة بين المعتدلين والدولة يرى سميح المعايطة، المعلّق والمحلل السياسي، وأحد المراقبين البارزين للعلاقة بين الدولة والإخوان، أنّ المؤسسة الرسمية تشعر بالارتياح لتفجّر الخلافات الداخلية، لكنّها"لا تريد دفع ثمن هذه الخلافات، ولن تقدّم أي تنازلات للتيار المعتدل ضد التيار الآخر". ووفقاً للمعايطة فإنّ"المؤسسة الرسمية ترى أنّ المعتدلين قاموا بواجبهم، وأنقذوا الجماعة من ردود فعل غاضبة من النظام في حال استمر حال التصعيد والتوتر السياسي"، لكن في المقابل لا ترى المؤسسة الرسمية أنّ قائمة"المعتدلين"تمثل نهاية المطاف أو انتصاراً كاملاً، فزكي بني أرشيد لا يزال على رأس جبهة العمل الإسلامي، كما أنّ نتائج التدافع الداخلي لم تظهر بعد، في حال استطاع"المتشددون"قلب الطاولة مرّة أخرى والسيطرة على مقاليد الأمور من خلال حراك القواعد. على الطرف الآخر يجد جميل النمري، الكاتب والسياسي، أنّ الدولة تتعامل بمستويات متعددة مع الإخوان، على رغم أن يصعب القول إنّ هناك استراتيجية معتمدة واضحة، فعلى مستوى الصراع الداخلي تدعم المؤسسة الرسمية سيطرة التيار المعتدل على مقاليد الأمور، وترغب بأن تتعامل معه، لا مع تيار التشدد، كما حصل في لقاء رئيس الوزراء الأخير مع قادة الحركة المعتدلين والحمائم. إلاّ أنّ تشجيع التيار المعتدل لا يعني أنّ الأمور ستسير بصورة جيدة بين الدولة والإخوان، إذ وبصورة عامة"لا ترغب المؤسسة الرسمية بوجود تيار إسلامي قوي ونافذ في الشارع، سواء سيطر عليه المعتدلون أم المتشددون". التحليل الغائب: العلاقة مع"حماس" تلفت مصادر قريبة من الإخوان الانتباه إلى أنّ ما يحصل حالياً يتعدى مشكلة"القائمة الانتخابية"، فهو بمثابة مخاض داخلي على خلفية استقلال حركة"حماس"عن الإخوان رسمياً من خلال وجود مراقب عام خاص بالحركة وأطر تنظيمة مستقلة. ومن المعروف أنّ زعيم حركة حماس، خالد مشعل كان وجّه رسالة إلى قيادة الإخوان في نيسان/ أبريل الماضي، يطلب فيها فك الارتباط بين الحركتين، وهي الرسالة التي قبلها المكتب التنفيذي للإخوان ورفضها مجلس الشورى، قبل أن يقرّها مكتب الإرشاد العام. فوفقاً للمصادر المقرّبة"ما يحدث حالياً يأتي في صميم تحديد وجهة الجماعة، وتغليب الشأن الوطني على القضايا الخارجية والإقليمية، بخاصة السؤال الفلسطيني، ما سيظهر بصورة جليّة في البرنامج الانتخابي للإخوان، وهو ما يتناقض مع أجندة التيار المقرّب من حركة"حماس"، الذي يقوم على التماهي داخلياً وإقليمياً مع خط الحركة، مما أثار معركة شرسة بين المؤسسة الرسمية وبين الإخوان. حلمي الأسمر، المراقب لتفاصيل المشهد الإخواني، يقدّم قراءة مختلفة قليلاً عن القراءة السابقة، إذ يرى أنّ المعركة سابقة، بالفعل، على إشكالية القائمة النيابية وتأتي في سياق بروز اتجاه واضح داخل الجماعة منذ سنوات يطالب بپ"أردنة العمل الإسلامي"، إن جاز التعبير، ومنح البعد المحلي الداخلي أوّلوية على الشأن الفلسطيني الذي يطغى تقليدياً على اهتمامات الحركة وأجندتها. ويرى الأسمر أنّ وصول زكي بني أرشيد إلى منصب الأمين العام للحركة استفزّ تيار"الأردنة"الذي رأى فيه تحدياً كبيراً، ومفروضاً من جانب"المكتب السياسي لحركة حماس". ويرى الأسمر أنّ موقف هذا التيار تقاطع مع موقف المؤسسة الرسمية"التي مارست تسخيناً غير مسبوق على الجبهة الإخوانية، هذا التسخين بمثابة ضربة وقائية بعد أن تضاعف عبء الملف الخاص بالحركات الإسلامية على خلفية الانتصار الكبير لحركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006". "معركة الإخوان الداخلية"الحالية ليست كسابقاتها، ستؤدي إلى نبذ المعترضين، بل هي أزمة تضرب في صميم هوية الجماعة ووجهتها، وتقع في قلبها معركة حاسمة بين تيار الوسط والتيار المتشدد، وسيكون لهذه الخلافات تأثير كبير على الحملة الانتخابية للحركة، لكن الحسم الحقيقي سيرتبط بموقف المؤسسة الرسمية من جهة وحراك القواعد الإخوانية من جهة أخرى.