أتاحت الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وشاه إيران، في سبعينات القرن المنصرم، لعدد كبير من الطلاب الإيرانيين دراسة التكنولوجيا النووية في جامعة ماساشوستس إم آي تي المرموقة. وتولت الشراكة التاريخية بين الحكومة الإيرانية ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا تأهيل الجيل الأول من العلماء الإيرانيين المتخصصين في المجال النووي. وكان من المفترض أن تكون هذه الشراكة رمز الصداقة بين الشعبين، الإيراني والأميركي. ولكنها تحولت الى مضرب مثل في عواقب الاتفاقات الاستراتيجية غير المتوقّعة. وبعد أربع سنوات على انطلاق البرنامج، خُلع شاه إيران، وحل محله حكم الملالي الإسلامي. ووجد الطلاب الإيرانيون، وهم كانوا يحسبون أنهم مقبلون على مساعدة الشاه على بناء شبكة واسعة من المحطات النووية، أنفسهم أمام خيار صعب بين البقاء في الولاياتالمتحدة أو العودة الى بلادهم وخدمة النظام الجديد. وقرارهم ثقيل التبعات. فثلاثة منهم اضطلعوا بإرساء البرنامج النووي الإيراني، الذي تجهد واشنطن، اليوم، في محاربته. فأصبح منصور حاج عظيم، ويصفه أصدقاؤه القدامى بأنه كتوم ومجتهد، أحد رؤساء البرنامج النووي الإيراني. وهو مسؤول عن محطة يشتبه في تخصيصها لأغراض عسكرية. وقرر نحو ثلثي قدامى الطلاب الإيرانيين في"إم آي تي"البقاء بالولاياتالمتحدة، والعمل هناك. ويشغل بعضهم مناصب في لجنة القوانين النووية الأميركية أو في مؤسسات دفاع أميركية. وتوفي اثنان منهم أخيراً، الأول قضى في حادث سير في الولاياتالمتحدة، والآخر أعدم في إيران بتهمة ممارسة نشاط سياسي ممنوع. وتسلط مسيرة هؤلاء الإيرانيين الضوء على مساعي إيران النووية، والمواجهة الحالية بين واشنطنوطهران. ويقول محمد مغيمي، ان البرنامج النووي الأميركي - النووي كان جيداً. ولو آلت الحوادث إلى غير ما آلت إليه، لكانت إيران تملك اليوم فوق ست محطات نووية مدنية. ولا تكفّ وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، عن التشكيك في حاجة إيران الى مفاعلات نووية، وهي العائمة على احتياطي نفطي كبير، على رغم أن المسؤولين الأميركيين شجعوا طهران في 1974، على استثمار عائداتها النفطية في التكنولوجيا النووية الأميركية الباهظة الكلفة، ورضي الشاه بذلك متوقعاً زيادة حصة إيران من صادرات النفط، غداة زيادة سعره أضعافاً. ففي آذار مارس 1974، أعلن شاه إيران عزمه على بناء أكثر من 20 مفاعلاً - بدءاً بمفاعلي محطة بوشهر - لتلبية حاجات بلاده الى الطاقة وزيادة تصدير النفط. وغداة الثورة، أدرك الطلاب الإيرانيون أن عليهم تقرير مصيرهم ومستقبلهم. وبعضهم مال إلى الجمهورية الإسلامية ورضوا بالثورة المستجدة، وبعضهم الآخر غضب، وهم من مناصري الشاه. وعدد من الطلاب قرر العودة إلى الولاياتالمتحدة بعد أن ذهبوا إلى إيران. وأما منصور حاج عظيم ومحمد ذاكر فاختارا الاستقرار في إيران. ولكن الجمهورية الإسلامية لم تحتضن خبراء التكنولوجيا النووية في سنوات حكمها الأولى. وبعد الثورة، وجهت الحكومة الإيرانية رسائل الى الطلاب الإيرانيين الذين درسوا في الولاياتالمتحدة، بلغتهم فيها الاستغناء عن خدماتهم. فالجمهورية الإسلامية الناشئة اعتبرت برنامج الشاه النووي غربياً. وتراجعت الشركات الموكلة تشييد المفاعلات النووية عن التزاماتها، بعد إطاحة الشاه. وسخّرت الحكومة الأميركية جهودها الديبلوماسية لحمل الدول الغربية على ألا تبيع معدات نووية الى إيران. وفي مطلع الثمانينات، غداة اندلاع حرب الثماني سنوات ضد العراق، شرعت إيران في وضع برنامجها النووي. فتبوّأ منصور حاج عظيم ومحمد ذاكر مناصب رفيعة. وكُلف ذاكر إدارة مفاعل أبحاث في طهران، وأصبح عظيم نائب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية. وبعد ذلك بقليل، بادر مسؤولون حكوميون في طهران إلى الاتصال بقدامى الطلاب الإيرانيين في"إم آي تي"، لإقناعهم بالعودة إلى إيران. ولم يُعرف عدد الذين قبلوا العرض. عن فرح ستوكمان ، "بوسطن غلوب" الأميركية ، 13 /3/ 2007