بعد مرور شهر على بدء تنفيذ خطة "فرض القانون" في بغداد اختفى الآلاف من عناصر جيش المهدي من معاقلهم الرئيسية في أحياء الصدر والشعب والقاهرة والكاظمية، وعشرات الأحياء الشعبية الأخرى في بغداد لكن هذا الاختفاء لا يعني نهاية هذه الميليشيات التي لعبت دوراً كبيراً في القضايا السياسية والأمنية في البلاد، في الوقت الذي لا يزال مصير السيد مقتدى الصدر مجهولاً في ضوء تضارب التصريحات الصادرة عن أطراف سياسية عراقية وأخرى أميركية حول مغادرته الى إيران وإصرار اتباعه على القول بوجوده في النجف. الأسباب الرئيسية في هذا التضارب وهذا الاختفاء المبهم تعود الى شعور"التيار الصدري"ان الخطة الأمنية موجهة في شكل رئيس ضده وإنها تسعى للقضاء على ميليشيات"جيش المهدي"التي اتهمت بقيادة فرق الموت الطائفية وتصفية آلاف العراقيين السنّة منذ وقوع أحداث تفجيرات مرقد الإمام علي الهادي في سامراء في الثاني والعشرين من شباط فبراير عام 2006. هذا الشعور عززته تداعيات الخطة الأمنية لاحقاً التي أسفرت عن القبض على اكثر من 15 خلية تابعة لجيش المهدي خلال شهر واحد بحسب العميد قاسم الموسوي، الناطق الرسمي باسم"الخطة". "لائحة اتهامات" لم يكن متوقعاً ان تؤول دعوة السيد مقتدى الصدر التي أطلقها من النجف في تموز يوليو عام 2003 الى التطوع لتشكيل "جيش المهدي" لتوفير الحماية للمرجعيات الدينية والمراقد المقدسة، الى تحول التنظيم المسلح الى لاعب أساسي في العملية السياسية في البلاد, وان يأخذ هذا التنظيم الحجم الذي اصبح عليه بين الفصائل المسلحة الميليشيات غير الرسمية والتي تخضع في إدارتها الى الأحزاب والحركات السياسية والدينية في البلاد. وفي العراق أكبر وأوسع تنظيمات مسلحة غير رسمية عجزت جميع القرارات الى اتخذتها الحكومات المتعاقبة عن حلها أو تحجيم دورها والحد من تحركاتها على مستوى الشارع العراقي، حتى باتت تشكل واحدة من اعقد المشكلات الأمنية في البلاد. وواجه"جيش المهدي"اتهامات خطيرة تتعلق بقيادته لما سمي بپ"فرق الموت"التي نفذت عمليات قتل وخطف جماعي في البلاد تصاعدت وتيرتها مع وقوع حادثة تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء. وبدأت لائحة الاتهامات تكبر يوماً بعد يوم ولاسيما من جانب السياسيين السنّة بعدما تحوّل مجرى التحالفات السياسية بين الطرفين، فغادر الصدر تحالفه مع السنّة وپ"هيئة علماء المسلمين"الى التحالف الشيعي عقب انتهاء"أزمة النجف"التي قاد خلالها تمرداً واسعاً ضد القوات الأميركية هناك, وتسليمه اسلحة جيشه الى الحكومة العراقية الموقتة آنذاك بحسب الاتفاق الذي توصل اليه الطرفان، والقاضي بنزع سلاح"جيش المهدي"خلال خمسة ايام. وعاد"الصدريون"بعدها للاشتراك في الانتخابات بقائمة مستقلة، وكانت تلك الخطوة بداية للطلاق السياسي بين"الصدر"وپ"أهل السنّة"، تبعها تحالف الصدر مع"الائتلاف الشيعي"وتغير خريطة التحالفات السياسية عقب مشاركة السنة في العملية السياسية، وبروز المشهد الطائفي من خلال حرب التصريحات الإعلامية التي تبادلتها الأطراف السياسية في العراق. وبعد إعلان استراتيجية بوش الجديدة في العراق التي أمهلت حكومة المالكي وقتاً محدداً لتنفيذ التزاماتها في شأنها وتأكيد الأخير على"ملف حل الميليشيات"، عادت أصابع الحكومة والأميركيين لتشير مجدداً الى"جيش المهدي"، معتبرة انه يمثل الطرف الأخطر على الوضع الأمني في البلاد. ويؤكد الشيخ جابر الخفاجي، أحد ابرز مساعدي الصدر في النجف ان الحكومة والأميركيين مارسوا ضغوطاً كبيرة على الصدر لحل جيشه تمثلت بعشرات المداهمات والاعتقالات التي قامت بها القوات الأميركية ضد جيش المهدي واقتحام عدد من مكاتبه في"مدينة الصدر"من بينها اعتقال الشيخ عبد الهادي الدراجي، أحد ابرز مساعدي الصدر، بتهمة دعم"فرق الموت"التي يقودها"ابو درع"الملقب بزرقاوي الشيعة ضد السنة. ويشبه الخفاجي قضية"أبو درع"بپ"مسمار جحا"وقال لپ"الحياة"ان"أبو درع هو الحجة المتكررة للأميركيين لمداهمة مدينة الصدر والمناطق الشيعية المجاورة لها من بغداد، وان التيار الصدري يتوقع مزيداً من المداهمات والاعتقالات خلال الأيام المقبلة، مؤكداً ان الأميركيين لن ينسوا ما فعله"التيار الصدري"أثناء المواجهات الدامية في النجف في عام 2004، مشيراً الى انهم قد يلجأون الى تصفية حساباتهم معه من خلال استراتيجيتهم الجديدة ليكون"كبش الفداء"في قضية الحرب على الميليشيات المسلحة في البلاد. تسع ميليشيات وتوجد في العراق تسع ميليشيات مسلحة تابعة للأحزاب والحركات السياسية، إلا ان أصابع الحكومة غالباً ما تشير في اتجاه"جيش المهدي"حينما يجري الحديث عن ملف الميليشيات المسلحة على رغم ان عدد أفراد الميليشيا الصدرية هو اقل بكثير من عدد الميليشيات الأخرى، مثل الميليشيا الكردية البيشمركة التي يصل عدد أفرادها وفق إحصاءات الحكومة الكردية الى 140 ألف مقاتل في الوقت الحالي، ينتشرون في شكل منظم في إقليم كردستان ويديرون الملف الأمني للحكومة الكردية. تليها من حيث العدد، وإمكانات التسلح ميليشيات"بدر"التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبدالعزيز الحكيم والتي تضم قرابة 25 ألف عنصر. ويقول هادي العامري، زعيم منظمة"بدر"ان المجلس الأعلى اقدم على تسريح العاملين ضمن"قوات بدر"وأحال آخرين على التقاعد، ويؤكد ان عدد الباقين ضمن صفوف المنظمة لا يزيدون على عشرة آلاف مقاتل. وقد واجهت هذه الميليشيا، التي تعد اكبر ميليشيا شيعية من حيث العدد اتهامات من أطراف سياسية سنية وأخرى استخباراتية بالتورط في عمليات اغتيال استهدفت شخصيات من الدرجة الثالثة في الحكومة، الى جانب قيام عناصرها بتصفية البعثيين السابقين في وسط العراق وجنوبه، حيث اتهمها النائب عدنان الدليمي، زعيم"جبهة التوافق"بالقيام بعمليات قتل واعتقالات منظمة ضد أهل السنة حينما كان المجلس الأعلى يدير وزارة الداخلية، كما اتهمها رئيس جهاز الاستخبارات العراقي محمد الشهواني، بالتورط في اغتيال 18 شخصاً من عناصر الجهاز. وكان هذا الاتهام إشارة واضحة الى الصراع الجاري بين التيار العلماني الذي تزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي، والتيار الإسلامي الشيعي في العراق. وعلى رغم توقيع تسعة أحزاب رئيسة في العراق من الأحزاب المنضوية في العملية السياسية الراهنة على القرار رقم 91 القاضي بحل الميليشيات المسلحة في البلاد وضمها الى تشكيلات الجيش العراقي الجديد من بينها"الحزب الإسلامي"، وپ"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"بزعامة عبدالعزيز الحكيم وپ"حركة الوفاق العراقي"بزعامة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي وحزب"الدعوة"الحاكم بزعامة إبراهيم الجعفري الى جانب أحزاب أخرى، عجزت هذه القوى السياسية والحكومية المسلحة عن اتخاذ خطوة جدية، وفعلية، لحل التنظيمات المسلحة غير الرسمية، إذ لم يدخل هذا القرار حيز التطبيق إلا بعد مرور عامين على إقراره حينما تم تخصيص نسب محددة للأحزاب السياسية في القوات الأمنية العراقية تصل الى 20 في المئة لأسباب تعود الى محدودية عدد عناصر الجيش وعدم أهلية عناصر الميليشيات الى جانب وجود مخاوف حقيقية من إذابة الميليشيات في صفوف الجيش والشرطة، فيما تسلل بعض الميليشيات الى تشكيلات القوى الأمنية من طريق أحزابها التي حصلت على حقائب وزارية او مسؤوليات خاصة في الوزارات الأمنية.