أخيراً وصلت معركة هوليوود المتجددة ضد سياسات الدول الكبرى، الى الشاشة الصغيرة ... هذه الشاشة التي يبدو أنها لن تقف ساكنة تجاه هذه "الحرب"، أو في موقع المتفرج على لعبة شدّ الحبال هذه، إنما آثرت مساندة شقيقتها الكبرى، وتقديم العون، أكان من خلال عرض أبرز هذه الأفلام على شاشتها، أو إنتاج أفلام تلفزيونية تروي صراع هوليوود هذا... الى درجة أن العدوى وصلت الى شاشة فرنسية تعتبر الأكثر تجارية، والاقل اهتماماً بالسياسة: شاشة"كانال بلوس"، التي تكرّس على مدى أسبوع - افتتحته أمس - عروضاً يومية لبعض الافلام الأميركية التي تنتمي الى قائمة الأفلام الملتزمة من خلال معالجتها ابرز القضايا الشائكة في عالم اليوم. فمن حرب الخليج الى استهتار شركات الادوية بشعوب افريقيا الى العنصرية، وسواها من القضايا، تتمحور افلام"أسبوع السينما الملتزمة"... لكنّ اللحظة الاهم ستبقى من خارج الافلام الروائية، ومن خلال فيلم تسجيلي يأتي تتويجاً لهذه العروض وتبريراً لها، فيلم"حين تذهب هوليوود الى الحرب"الذي يعرض خلافاً للأفلام الباقية ثلاث مرات خلال هذا الأسبوع، ويتحدث عن هوليوود على جبهة القتال. والقتال المعني هنا ليس القتال على جبهة الحرب، بل تحديداً القتال ضد جبهة الحرب. إذ ينطلق الفيلم من سؤال يبدو غريباً عن شاشة"كانال بلوس"، سؤال هو: هل ساهمت إدارة بوش في عودة السينما النضالية الى هوليوود؟ الجواب لن يكون صعباً. إذ يكفي عرض شهادات بعض أبرز النجوم الهوليووديين المنشقين عن القطيع، والمعترضين على سياسة بلادهم الخارجية، خصوصاً في العراق. والقائمة ليست قصيرة، من جورج كلوني الى شين بين وروبرت ريدفورد وداستن هوفمان وسوزان ساراندون وجيسي جاكسون وتيم روبنز وجاين فوندا، وسواهم من اصحاب الحسّ الإنساني... ولم يكتف الفيلم بهذه الشهادات إنما مرّ على عدد من الافلام التي طرحت هذه القضية. أفلام اعطت العبرة مرة اخرى أن هوليوود تستحق بجدارة أن يطلق عليها اليوم صفة ضمير العالم، كونها الأكثر تأثيراً في دقّ ناقوس الخطر، وفضحها الممارسات الخاطئة في حق الشعوب. شعوب أفريقيا الجريحة الشعوب نفسها، وخصوصاً الافريقية منها، هي موضوع فيلم آخر من أفلام هذا الأسبوع، فيلم"الحدائقي الدؤوب"، المأخوذ عن رواية جون لوكاريه الذي يترك هنا عالم التجسس والحرب الباردة ليصارع شركات الأدوية... تلك التي تستخدم شعوب أفريقيا فئران اختبار لمنتجاتها... كل هذا من خلال جريمة وحب وزوج يقاتل ليعرف هوية قتلة زوجته المناضلة ضد الشركات الكبرى. ومن أفريقيا، أيضاً، يأتينا فيلما"قتل الكلاب"و"الكنائن". ويصور الفيلم الأول مجازر رواندا حين قتل أبناء قبيلة الهوتو 800 ألف شخص من قبائل التوتسي المنافسة لهم. وليست هي المرة الاولى التي تتعرض السينما لهذه المجزرة، إذ سبق هذا الفيلم أفلام كثيرة، لكن الجديد هنا هو كونه ينظر اليها من وجهة نظر كاهن كاثوليكي وعالم انكليزي شاب علقا، كما يقول الفيلم، في جحيم كيغالي حيث دارت المذبحة. اما فيلم"الكنائن"، فهو تسجيلي انكليزي يصور واقع الحال الاجتماعية في الكاميرون من خلال حكاية قاضية ومحامية تدافعان عن حق نساء الكاميرون في العيش بسلام وأمن وسط مجتمع يسمح لأزواجهن بأن يسيئوا معاملتهن. كما يسمح للرجال باغتصاب النساء من دون عقاب. الإنسان أولاً وفي عودة الى الولاياتالمتحدة يبرز فيلم"كراش"الحائز ثلاث جوائز"أوسكار"عن أفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل مونتاج. ويصور هذا العمل، في شكل لافت، العنصرية المتفاقمة في شوارع لوس انجيليس بعد احداث 11 أيلول سبتمبر ضد كل ما هو غريب، سواء كان أبيض او اسود، مجرماً أو بريئاً، غنياً او فقيراً... وقد اجاد المخرج إعطاء صورة واقعية عن الرعب الذي عاشته الولاياتالمتحدة بعد هذه الأحداث، من دون أن يقع في فخ المبالغة أو رسم صور زائفة. وفي الفيلم الاخير"جارهيد"نترك الولاياتالمتحدة من دون ان يغيب أبناؤها. إذ يغوص الفيلم في حرب الخليج الأولى من موقع معاد تماماً لموقع الإدارة الأميركية... ولكن من دون أن يقع في فخ الدفاع عن النظام العراقي السابق.. فهذا العمل الذي اثار ضجة حين عرض يدافع عن الإنسان سواء كان أميركياً أو عراقياً. وهو يضع نفسه ضد آلة الحرب المدمرة، سواء سمت نفسها حرباً عادلة على طريقة بوش أو حرباً عدوانية على طريقة صدام. هذه الحرب ذاتها هي التي تنتفض هوليوود ضدها، عبر مواقف وتظاهرات فريدة من نوعها، ولكن ايضاً عبر الأفلام التي تحققها، والتي من المؤكد أنها تدهش الإدارة الاميركية بمقدار ما تدهش العالم. هذه الإدارة التي لا شك في أنها تسأل نفسها اليوم كيف تناصبها هوليوود كل هذا العداء، مع انها لطالما وقفت الى جانب الرؤساء الديموقراطيين، وآخرهم بيل كلينتون، الذي لم تبخل عليه هوليوود بتأييدها وصداقة نجومها. وإذا كانت إدارة بوش تجهل هذا، ها هو الفيلم التسجيلي"حين تذهب هوليوود الى الحرب"يعرض ثلاث مرات في أسبوع على شاشة فرنسية صغيرة ليقول كل ما يمكن أن يقال عن هذه الشاشة الصغيرة حين تحيي أختها الكبيرة، وقد أفاق ضميرها على مآسي العالم.