بعد الجوائز والمهرجانات والعروض السينمائية، يواصل فيلم"الجنة الآن"جولته... لكن هذه المرة من الباب العريض: شاشة"كانال بلوس"المحطة التجارية الاولى في فرنسا. ولم تأت برمجة الفيلم الفلسطيني اليوم على هذه الشاشة مفاجئة. ذلك ان كثيرين من النقاد ممن لفتتهم جودة الفيلم وتقنياته الفنية العالية، توقعوا له ذلك، خصوصاً حين نعرف أن اهتمامات"كانال بلوس"فنية وجماهيرية في الدرجة الاولى، ولا تأخذ في الحسبان أي اعتبارات أخرى، سياسية، او حتى ثقافية. من هنا يعتبر عرض فيلم هاني أبو أسعد على هذه القناة بالذات، بمثابة شهادة تقدير إضافية تمنح له بعد جائزة"غولدن غلوب"عن افضل فيلم اجنبي، وأفضل فيلم اوروبي في مهرجان برلين وسواهما من الجوائز الرفيعة المستوى نظراً لجودة العمل ككل، وبعيداً من كونه فيلماً فلسطينياً يتحدث إنسانياً عن مراحل إعداد انتحاريين فلسطينيين للقيام بعملية داخل اسرائيل. واللافت أن الأفلام العربية المميزة تعرض على الشاشات الأجنبية، فيما تغيب عن الشاشات العربية، لتحلّ محلها أفلام الأبيض والأسود أو أفلام"المهرجين الجدد". من هنا يجد المشاهد نفسه منحازاً لاشعورياً الى الفئة الأولى، من دون ان يعرف ما يفوته من افلام لا تجد سبيلاً الى الشاشة الصغيرة... أفلام اصطلح على تسميتها ب"أفلام المهرجانات". وجرى التراضي على ان تعرضها معظم الشاشات الغربية، غالباً لأهميتها السياسية او الاجتماعية... ولكن أيضاً لقيمتها الفنية كما حال عرض"كانال بلوس"لفيلم هاني ابو أسعد، ما يشكل عادة دعماً كبيراً من الغرب لهذا النوع من الإبداع العربي. ولا يقتصر الدعم الأوروبي لپ"أفلام المهرجانات"العربية هذه، على تقديمها للجمهور العريض من خلال شاشة التلفزيون، إذ غالباً ما تكون هذه الأفلام من إنتاج اوروبي. وإذا كان"الجنة الآن"ذائع الصيت اليوم، فإن ذلك لم يكن ليحصل لولا الدعم الخارجي شاركت في إنتاجه فرنسا والمانيا وهولندا، إضافة الى منتج اسرائيلي تقدمي، ليقدم الفيلم في النهاية باسم فلسطين. وهذا التقديم، كما نذكر، أثار غضب كثيرين في أميركا، ما حرم"الجنة الآن"- كما يرى بعضهم - من أوسكار أحسن فيلم أجنبي لعام 2006. ومثل"الجنة الآن"، أفلام عربية كثيرة مميزة، منها تحفة إيليا سليمان"يد إلهية"الحائز على جائزة لجنة تحكيم مهرجان"كان"من إنتاج فرنسي - ألماني، و"باب الشمس"للمخرج المصري يسري نصر الله إنتاج تلفزيون"آرتي"الفرنسي - الألماني... واللافت أن الأفلام الثلاثة تدور حول فلسطين، وصور فيها مخرجوها، كل على طريقته، معاناة أهل هذا البلد، ويومياتهم في ظل الاحتلال. من هنا قد يسأل المرء: كيف يمكن بلداً محتلاً أن يساهم في خلق صناعة سينمائية عربية جادة؟ والجواب ليس صعباً. فكل من المخرجين الثلاثة عاش خارج فلسطين. هاني أبو أسعد جاء من المدرسة السينمائية الهولندية، وإيليا سليمان عاش بين اميركا وفرنسا، في حين ناضل السينمائي المصري يسري نصرالله من أجل القضية الفلسطينية في افلامه. ومع هذا كان حظ فيلم هاني أبو اسعد اوفر من سواه من الأفلام العربية الجادة. فهو وإن لم يعرض على شاشاتنا بعد، فإنه شكل مادة دسمة لبرامج اجتماعية متنوعة على الشاشات - لا برامج سينما فحسب - حتى نكاد نقول ان غالبية الفضائيات العربية تطرقت الى الفيلم، بالتحليل أو بالاحتفاء بصاحب"الجنة الآن"الذي"أوصل صوت فلسطين ومعاناة بلاده بطريقة فنية، قد تكون أجدى من سياسات العالم كله"، كما قال لنا الممثل الاميركي مورغان فريمان عقب مشاهدته الفيلم في افتتاح فعاليات مهرجان دبي السينمائي العام الماضي. فهل يجد سبيلاً على شاشاتنا؟ * يعرض اليوم في الساعة 20.20 بتوقيت غرينتش