عبر تحليل الموجات الأولى التي يصدرها الزلزال، يستطيع علماء الزلازل أن يعطوا القاطنين في مناطق الهزّات الأرضية إنذاراً مبكراً يسبقه ببضع ثوانٍ. وبحسب ما جاء في مقال نُشر أخيراً في مجلة "ساينس" الشهيرة، تعتبر تلك الثواني الثمينة وقتاً كافياً لفعل أشياء حيوية مثل توقيف عمل المفاعلات النووية وإبطاء القطارات العالية السرعة، ما قد يُنقذ آلاف الأرواح. وعلى رغم ذلك، تبقى بعض المعلومات بعيدة من إدراك العلماء راهناً. ويوضح بول رايدليك من معهد البحوث الوطني لعلوم الأرض وتفادي الكوارث في مركز"تسوكوبا"في اليابان:"نعرف قبل بضع ثوانٍ أين ستحدث الهزّة، لكننا لا نعرف قوّتها". ويتمثّل الجديد في هذا الأمر، في ما جاءت به مجموعة من العلماء الإيطاليين الذين استخدموا المعلومات عن مكان الهزّة للحصول على فكرة عن قوّتها، ما يسمح بتجاوب أكثر فاعلية مع الكوارث. وقد يشكّك بعض الخبراء في صحّة هذا الأمر، لكنّ ماري بول بوين من"معهد فيزياء الكرة الأرضية"في باريس يجد أنّ المعلومات التي يقدّمها الفريق الإيطالي"مقنعة كفاية"لكي تؤخذ جدياً في الاعتبار. ولفهم وجهة نظر العلماء الإيطاليين، يجدر تذكّر أنّ إشارات الزلزال الأولى التي تبلغ محطّات الرصد، تُسمى الموجات الأولية أو"موجات بي"p-waves، وهي موجات انضغاط، أي انها تُشبه الموجات التي يسير فيها الصوت في الهواء. تتحرّك"موجات بي"بسرعة عالية تبلغ 6 كيلومترات في الثانية تقريباً، ولكنها لا تحمل القوّة التدميرية للموجات الثانوية أو"موجات أس"s-waves، وهي موجات تتسبّب في اهتزاز الأرض، وتُشبه ما تفعله اليد عند تمزيق الورق. تنتقل"موجات أس"بسرعة 3.5 كيلومتر في الثانية، ويمكن أن تصل الى محطة الرصد قبل الهزّة الرئيسة بمدّة قصيرة. أما أنظمة التحذير المبكر من الهزّات فتعمل عبر نشر مجسّات في المناطق المُعرّضة للزلازل"وبواسطة استعمال التقنيات الرقمية السريعة في تحليل المعلومات، يصبح من المستطاع إعطاء تحذير مسبق ببضع ثوانٍ عن زلزال وشيك. كذلك يستطيع العلماء دمج الإشارات من محطّات رصد عدّة، فيتمكن نظام التحذير المُبكّر من أن يقدّر موقع مركز الهزّة. بيد أن تحديد قوّة الزلزال مسألة أصعب. إذ لا يستطيع علماء الزلازل سوى الحصول على تقدير غير دقيق من"موجات بي"الأولى. وأخيراً، فكّر ألدو زولو وزملاؤه في"جامعة نابولي"وفي"المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلم البراكين"في روما، أنّ قياس تردّد"موجات بي"ومسافاتها، يمكنه أن يُعطي إشارة أفضل لقوّة الهزّة التدميرية. لقد حلّل الباحثون الإيطاليون سجلات من محطّات زلزالية تقع على أقلّ من 50 كيلومتراً من مراكز الهزّة ل 207 زلازل وقعت بين عامي 1976 و1999 في منطقة البحر المتوسّط. وتراوحت قوّة الهزّات بين 4 و7.4 على مقياس"ريختر". وقارن الفريق المسافات التي تفصل"موجات بي"خلال الثانيتين الأوليين من الاهتزاز. ووجدوا ان الفارق ما بين موجات الثانية الأولى والثانية، يتوافق مع مع قوّة الزلزال، ما أعطاهم أداة مفيدة في التحذير المبكر من الهزّات. ولاستعمال هذه المعلومات في تقدير قوّة الهزّة الوشيكة، يحتاج العلماء أيضاً الى معرفة المسافة عن مركز الهزّة. في الأوضاع الفعلية، قد لا تصل هذه المعلومات في الوقت المناسب، لكنّ زولو يعتقد بأن أنظمة التحذير المبكر المستقبلية باستطاعتها تقديم هذه المعلومات. ويقول:"مع مقارنة النتائج التي تبرزها كلّ محطّة بالقياسات في المحطّات الأخرى، يمكن التوصّل الى معرفة قوة الزلزال". وبهذه الطريقة ستتمكن الشبكة من تحديد موقع مركز الهزّة بسرعة ومن تحديد قوّة الزلزال، وذلك قبل بضع ثوان من وصول الهزّات الفتّاكة. ويعتبر توّقع وقوع الزلازل مسألة صعبة للغاية. لذا أعرب باحثون آخرون عن بعض الشكوك في ادّعاءات زولو القدرة على نيل تحذيرات أفضل. ويوضح فرنسوا هنري كورنيه من"معهد فيزياء الكرة الأرضية":"لأن زولو وفريقه لم يدرسا هزّات بقوّة أعلى من 7.5 درجة، قد لا نتمكن من تطبيق تقنيّتهم على الأحداث الأكثر تدميراً... إن شروط دراسة مجموعة من النتائج التي تأتي من محطات زلزالية عدّة ليست أمراً هيناً.... إن الهزّات لا تتطوّر بطريقة متناسقة واضحة دائماً". ويقرّ زولو بهذا الأمر ويوضح:"غالباً ما تمتدّ الموجة الزلزالية بقوّة في اتجاه ما على شكل جبهة، ما قد يؤدي إلى ظهور الأخطاء". فإذا وُضعت الأخطاء جانباً، لا يعتقد بعض الباحثين أن من الممكن توقّع قوّة هزّة ما وهي تعتمد على طول التمزّق بأكمله عبر البحث في الموجات الزلزالية التي تظهر في لحظات الهزّة الأولى. ويشير وليام ألسوورث من معهد المسح الجيولوجي في مينالو بارك في كاليفورنيا، إلى أن:"عندما تبدأ الهزّة ستتتابع إجمالاً كسلسلة من أحجار الدومينو المتساقطة... أحياناً تتوقّف سلسلة الدومينو وأحياناً تتتابع لمسافة أطول". ويضيف:"إن كانت بداية السلسلة تحمل دلائل على قوّتها النهائية فهذا سؤال مفتوح". في المقابل، يقول زولو إن الدفعة الأولى لموجات بي قد لا تحمل دلائل كهذه. ويشرح قائلاً:"إن احتمال أن يكبر شرخ في الأرض إلى حجم أكبر يتناسب مع الطاقة الأولى المتوافرة". بيد أن رايدليك يبقى مشككاً قائلاً:"أود أن أرى الفيزياء التي تصل هذه الثواني الأولى بانتشار التمزّق على امتداد الكسر كله. يمكن وقوع التواءات والتفافات في الصدع أو يمكن أن نرى تغيّراً في الجهد، وهذه هي العوامل التي تحدّد قوّة الهزّة وليس الانزلاق الأولي للصخور في الطبقات العميقة للأرض". القسم العلمي - بالتعاون مع مركز الترجمة في "دار الحياة"