قبل أيام قال الرئيس بوش لمراسلي الصحف في البيت الأبيض"إذا حاول أحد ما إيذاء جنودنا ومنعهم من تحقيق هدفنا، أو قتل مدنيين أبرياء في العراق، فإننا سنوقفه عند حدّه". الرئيس الأميركي كان يتحدّث عن النشاط الايراني في العراق، غير أنني أستطيع أن أفهم من الكلام نفسه أن المقصود به الولاياتالمتحدة، فإدارة بوش هي التي أرسلت الجنود الأميركيين إلى العراق، لأسباب ملفّقة، فقتل ألوف منهم، والاحتلال الأميركي هو الذي قتل مئات ألوف المدنيين العراقيين، فإذا كان"أحد ما"يستحق أن يُوقف عند حدّه، فهو الإدارة الأميركية وعصابة الحرب الإسرائيلية في الإدارة وحولها. ربما زدت هنا أن الولاياتالمتحدة لن تحقق هدفها في ايران، فهي خسرت الحرب هناك وقضي الأمر، وفي حين أنها لم تعترف بالخسارة، ولا أتوقع منها أن تعترف، فإنها تتصرّف من واقع هذه الخسارة، والتركيز على ايران الآن هو لتحويل الأنظار عن الحرب في العراق، أسباباً ونتائج، مع أن مواجهة عسكرية مع ايران ستجعل العراق تلك"النزهة"الخرافية التي سمعنا عنها. ربما عدت ببدء الحملة الحالية على ايران، تمهيداً لمواجهة مقبلة أو تبريراً لها، إلى العاشر من الشهر الماضي عندما ألقى الرئيس بوش خطاباً رئيسياً عن خيارات إدارته في الحرب المزعومة على الإرهاب، وبدل أن يقبل توصية لجنة بيكر - هاملتون بخفض القوات الأميركية في العراق تمهيداً لسحبها تدريجياً، قرّر زيادة 21 ألف جندي آخر عليها. ذلك الخطاب كان عن ايران وسورية وليس عن العراق، فهو حمّلها مسؤولية فشله في العراق وهدّدها. وجاء الخطاب عن حالة الاتحاد في 23 من الشهر الماضي ليواصل الحملة، وفي كل يوم تصريح جديد عن الخطر الايراني. نعرف بدايات السياسة الجديدة إلا أننا لا نعرف كيف ستكون نهايتها، والرئيس بوش أصدر أوامره للقوات الأميركية بقتل أو أسر عناصر الاستخبارات الايرانية التي تساعد الشيعة ضد القوات الأميركية، ومصادر الإدارة قالت إن المستهدفين هم من الاستخبارات والجيش الثوري، أو قوّات القدس، ولكن ليس الديبلوماسيين أو المدنيين. ايران تتدخّل في شؤون العراق والمنطقة، ولها طموحات تتجاوز حدودها، إلا أنها ليست أخطر علينا من إدارة بوش وإسرائيل، وشعوري الشخصي هو أن عصابة الحرب إياها لا تريد حلاً، فكل مواقف الإدارة تصبّ في مشروع المواجهة. الإدارة الأميركية أعلنت أن ايران جزء من"محور الشرّ"ودعت إلى"تغيير النظام"في طهران، وهو موقف دُعم بقوّة بحريّة إضافية في المحيط، قبالة ايران، ما يبرّر وحده أن تردّ ايران بالعداء لأميركا ومصالحها طالما أنّ حكومتها لن تستطيع قلب النظام في واشنطن. والإدارة الأميركية لا تفاوض ايران وإنما تملي عليها شروطاً خلاصتها أن تغيّر ايران جلدها من دون مقابل، فإدارة بوش تريد من ايران أن تتوقف عن مساعدة"حزب الله"و"حماس"، وعن مواجهة أميركا في العراق، أو أفغانستان. وهي تريد منها وقف تخصيب اليورانيوم، في وقت تدعم إسرائيل بترسانتها النووية وصواريخها، وقد قادت الحملة لفرض عقوبات على ايران في مجلس الأمن، وهناك فرصة لتشديد هذه العقوبات مع نهاية الشهر إذا لم تعلّق ايران وقف تخصيب اليورانيوم. هل تستطيع إدارة بوش خداع الأميركيين مرّة أخرى، وتجاهل الرأي العام العالمي، ايضاً مرة أخرى، وشنّ حرب غير مبرّرة على ايران؟ أتحدث عن الرئيس وإدارته، وأقصد نائب الرئيس ديك تشيني وعصابة الحرب التي يقودها، فهؤلاء المتطرّفون الاستعماريون هم الذين قتلوا نصف مليون مسلم حتى الآن، من أفغانستان إلى العراق مع مسؤوليتهم غير المباشرة عن كل قتيل فلسطيني بالسلاح الأميركي والمال على أيدي الإسرائيليين. الرئيس جاك شيراك لم يرَ خطراً في قنبلة نووية ايرانية، ولكن تشيني يقول إن خطر ايران"متعدّد الأبعاد"، وهو طبعاً لا يرى خطر أميركا الماثل على كل شعوب المنطقة، وشخصياً لا أصدّق أن تشيني يغلق جهلاً أبواب التفاوض مع ايران ويهددها، كذلك لا أُبعد عصابة الحرب عن الاقتتال الطائفي الدائر، فإذا كان جورج بوش الابن جاهلاً، فإن العصابة ليست بجهله، وبعد أن قلنا مع انهيار الوضع في العراق ان إدارة بوش ليست عندها خطّة لما بعد الاحتلال، أصبحنا نقول إن الخطة ربما كانت هي هذه، تدمير العراق وقتل أهله وإطلاق حرب طائفية بين المسلمين، من أجل إسرائيل ومصالحها. جورج بوش يبقى الرئيس والقائد الأعلى للقوّات المسلحة الذي لم يخدم في فيتنام، وهو الآن يريد من الكونغرس أن يوافق على استراتيجيته الجديدة في العراق التي أراها استراتيجية لايران أيضاً. الرئيس بوش يواجه معارضة من الديموقراطيين، ومن داخل حزبه الجمهوري، وأستطيع أن أقدم للقرّاء أسماء كثيرة، إلا أنني أكتفي بأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين جون وورنر وسوزان كولنز ونورم كولمان الذين قدّموا مشروع قرار يعلن معارضة المجلس زيادة القوات في العراق. يفترض أن نوقف نحن ايران عند حدّها، وأن يوقف أعضاء مجلسي الكونغرس جورج بوش، غير أننا عاجزون غائبون مغيّبون، أما عصابة الحرب، وحلفاؤها من عتاة المتطرّفين الإسرائيليين، فمنتشرة كسرطان خبيث، وهي أقوى وأدهى من أن تُهزَم بسهولة.