ثمة تسعة عقود باقية قبل أن تكتمل سنوات القرن الحادي والعشرين وينتقل العالم إلى القرن الثاني والعشرين، غير أنني أغامر فأقول إن هذا القرن لن يعرف مجرم حرب أسوأ من ديك تشيني أو أحقر. الإرهاب في 11/9/2001 قتل حوالى ثلاثة آلاف أميركي، ونائب الرئيس الأميركي السابق المسؤول الأول عن موت ستة آلاف جندي أميركي شاب، لأسباب نفطية وإسرائيلية، ومليون عربي ومسلم. هذا القاتل يجب أن يمثل أمام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي قبل أي متهم من أفريقيا أو يوغوسلافيا السابقة، إلا أنه لا يحاكم على ما ارتكب تحت بصر العالم وسمعه، وإنما يكتب مذكراته وكأنه بشر سويّ، ويقول معلق أميركي إن المذكرات تحتوي على كذب من مستوى «شكسبيري». مذكراته تحمل العنوان «في زمني: مذكرات شخصية وسياسية»، وهو يفاخر عبرها بما ارتكبت إدارة بوش/ تشيني من جرائم حرب، ولا يعتذر عن أي خطأ، حتى وهو يتهم الاستخبارات بالتقصير في جمع المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق والعلاقة مع القاعدة، وهي أكاذيب طلعت بها إدارة جورج بوش عمداً لتبرر الحرب على العراق. ومن يبررها؟ فار من الجندية في فيتنام، فجاء من الأميركيين من ذكّره بأن هناك فصلاً محذوفاً في المذكرات عن تاريخه العسكري المعيب. تشيني يقول في مذكراته إنه نصح الرئيس بوش في حزيران (يونيو) 2007 بشن غارات لتدمير مشروع المفاعل النووي السوري، وهو ما فعلت إسرائيل في أيلول (سبتمبر) من تلك السنة، وبالتأكيد بعد تنسيق مع إدارة بوش وتلقي معلومات من أقمار التجسس وغيرها للتنفيذ. أستطيع أن أغيظ ديك تشيني من دون أن أكذب مثله، فالتحريض على مهاجمة سورية سببه الآخر كان دورها في الحرب على العراق، وأقول اليوم إن سورية (وإيران) هزمتا الولاياتالمتحدة في العراق، فانتهت طموحات تشيني الاستعمارية هناك، ولم يستطع أن يكمل ضد سورية وإيران. لا سرّ كبيراً في ما أكتب، فقد كانت سياسة إدارة بوش المعلنة «تغيير النظام» في سورية وإيران، وكانت هناك مقاومة وطنية عراقية قوية للاحتلال، إلا أن ما حسم الأمر كان العمليات الإرهابية اليومية ضد الوجود الأميركي في العراق من القاعدة في بلاد الرافدين، و «القواعد» الأخرى، حتى أصبح الأميركيون لا يفكرون إلا في حماية أنفسهم في العراق. بدل شن حروب أخرى. وإنْ تغيّر النظام في سورية أو إيران يوماً، فالشعب يغيره لا أميركا. السفيرة الأميركية في دمشق تلك الأيام كانت مارغريت سكوبي، قبل انتقالها إلى القاهرة، وقد نقلت عن لسانها في هذه الزاوية طلبها أن توقف سورية إرسال إرهابيين وتغلق مراكز صنع الأحزمة المتفجرة وتغلق الحدود. كذلك نقلت في هذه الزاوية ما قال لي الرئيس جلال طالباني وكان من نوع كلام السفيرة. العمليات الإرهابية، التي قد يسميها بعضهم مقاومة مشروعة، هي التي قضت على أحلام الإمبراطورية الأميركية بدءاً بالشرق الأوسط. مرة أخرى، سورية وإيران هزمتا الولاياتالمتحدة في العراق، وأنا أكرّر هذا الرأي لعلمي أنه يزعج أمثال تشيني وسينكرونه. باراك أوباما أفضل من إدارة جورج بوش كلها حتى إنني أجد المقارنة ظلماً للرئيس الحالي، مع ذلك ألومه على سياسة «ننظر إلى الأمام بدل أن نتطلع إلى الوراء» لأنها أعطت عصابة الحرب حصانة قانونية من الملاحقة ما مكّن ديك تشيني من كتابة مذكرات يرفض فيها اعتذار الإدارة عن الخطأ (المتعمد حتماً) بالزعم أن صدام حسين حاول شراء يورانيوم من النيجر. تشيني يهاجم في مذكراته جورج تنيت لأنه استقال من رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية عندما تأزمت الأمور سنة 2004، ويهاجم كولن باول، وزير الخارجية في حينه لأنه كان ينتقد الإدارة علناً، (وقد ردّ عليه باول في مقابلات تلفزيونية وفضح كذبه)، ويسجل اعتراضات على مستشاري جورج بوش لأنهم رفضوا نصحه المتطرف وأقنعوا الرئيس بإهماله، كما أن له انتقادات لبعض مواقف كوندوليزا رايس. الكل مخطئ وهو مصيب، والصحيح مصيبة. في زمان سابق كان هذا المجرم يستحق أن يصلب على إحدى بوابات بغداد، وأن يدق أهالي ضحاياه المسامير في أطرافه. غير أنني أريد أن أختتم باعتراف للقراء أن هذه مرة وحيدة أعرض فيها كتاباً لم أقرأه لأنني توكأت على بضعة عشر نقداً وعرضاً للكتاب، فأنا أرفض أن أشتري مذكرات تشيني، ويستفيد من دفعي ثمن الكتاب ولو بنصف دولار. [email protected]