كيف نُسمي معرضاً يُفتتح على أفلام سينمائية قصيرة ويُزيّن بشعار "بوليوود صارت نقّالة"؟ لم يكن ذلك مهرجاناً للفن، بل تجمعاً ضخماً للتكنولوجيا الرقمية! وأمسك الفن المرئي- المسموع بزمام "المؤتمر العالمي للخليوي "3 جي أس ام" 3GSM World Congress، الذي اختتم أعماله أخيراً في برشلونة. ولعل التسمية الأكثر ملاءمة للحدث الكاتالوني أنه كان معرضاً للترفية البصري الاتصالي. يصف ذلك المصطلح، إذا جاز استعماله، اندماج الترفيه البصري"أي الترفيه المُتَمَحوِر حول الصورة وبثها وتلقيها كأفلام السينما والتلفزيون والفيديو والألعاب الالكترونية"مع الوسائل المتطورة في الاتصالات مثل الخليوي والمساعد الرقمي الشخصي وغيرهما. وافتُتح المعرض، الذي يُعتبر أضخم تجمّع مُفرد لتكنولوجيا الهواتف النقّالة عالمياً، على 5 أشرطة من صنع مهرجان"صن دانس"Sundance Festival ، وهي أفلام قصيرة صُنعت خصيصاً لتلائم شاشات الخليوي. ومتوافرة لجمهور الخليوي عالمياً، بعد أن وُضعت على الموقع الالكتروني لذلك المهرجان السينمائي، الذي يحرص على صفته الطليعية ويجددها باستمرار. ومع سلسلة أفلام مماثلة من صنع مدينة"بومباي"الهندية، التي تُسمى"بوليوود"في إشارة إلى كونها المركز الأهم لصناعة الفيلم الهندي، إضافة إلى التركيز الهائل على"تلفزيون الخليوي"تحوّل معرض برشلونة إلى محطة لتكريس شاشة الخليوي التي تصعد بقوة في عالم المعلوماتية والاتصالات. ويُسميها الخبراء"الشاشة الرابعة" Fourth Screen باعتبار ان السينما كانت الأولى والتلفزيون الثانية والكومبيوتر الثالثة. والمعلوم أن هذا المصطلح برز همساً عام 2004. وتكرّست التسمية عندما نقلت الشركات العملاقة للخليوي"المؤتمر العالمي للخليوي"3 جي أس ام"السنوي في العام 2006 إلى مدينة"كان"الفرنسية مؤكدة أنها تعمّدت هذا الاختيار لتكريس البُعد الترفيهي في شاشة الخليوي. إذاً، من مدينة"كان"، التي تُعطي اسمها لأحد أشهر مهرجانات السينما، تأكّدت تسمية الخليوي"شاشة رابعة". ومع استضافتها المؤتمر عينه، بين يومي 12 و15 شباط فبراير الجاري، بدت برشلونة وكأنها تميل إلى تأكيد ما قالت به جارتها الفرنسية السنة الماضية. ثمّة تقاطع آخر في السياق عينه، ففي عام 2006 أيضاً، كرّس مهرجان"صن دانس"أشرطة الخليوي باعتبارها نوعاً ينتمي إلى الفن السابع، عندما خصص جائزة لتلك الأفلام. والارجح أن التداخل بين التكنولوجيا الرقمية والفنون البصرية صار أكثير تعقيداً مما يبدو على السطح. الخليوي"يتخلى"عن الصوت بدا من الصعب على المتابع لأعمال مؤتمر الخليوي في برشلونة، تحاشي القول بأن عالم الاتصالات، الذي يُشكل الخليوي عموده الفقري، لم يعد يعتمد على نقل الصوت. وتدريجاً، مالت تلك الأداة إلى"التخلي"عن المكالمات، لتفتح فسحة أمام أشياء أُخرى مثل نقل المعلومات ومشاهدة التلفزيون وتصفح البريد الإلكتروني والإبحار عبر مواقع الانترنت ومراقبة المباني من الخارج من طريق شبكات لاسلكية وغيرها. هذا ما حاول ان يشرحه الخبراء لنحو ستين الف شخص، 90 في المئة منهم من الاجانب، زاروا المعرض الكاتالوني خلال أيامه الأربعة. واستضاف 1300 شركة تعمل في تكنولوجيا الاتصالات وأجهزتها وأدواتها وبرامجها وشبكاتها. وبحسب تقديرات المنظمين فإن واحدة من كل اربع شركات بدأت مفاوضات للوصول إلى اتفاقات في المستقبل، ونجح عُشرها في انجازها. وأظهر المعرض تركيز شركات الخليوي على الانترنت والتلفزيون. فإذا كان التلفزيون سيطر في المنزل على جهاز الكومبيوتر والعاب الفيديو، فإن الهاتف النقال اصبح"ملك"الشارع. وبقول آخر، فإن هذا الجهاز صار جزءاً من الحياة اليومية. وتؤكد الاحصائيات ان ما يربو على ملياري شخص في العالم يملكون هاتفاً نقالاً. ومن المنتظر ان يصل عدد هؤلاء عام 2015 إلى 3 أضعاف هذا العدد. وفي المقابل، يفوق جمهور الخليوي نظيره من الهاتف الثابت في عدد من دول افريقيا وآسيا وأميركا. أما في اوروبا فإن نسبته تصل إلى 90 في المئة من السكان. ففي اسبانيا مثلاً، يزيد عدد خطوط الخليوي عن عدد سكان البلد! ان العوامل التي دفعت الصناعيين إلى تنظيم هذا المعرض ارتكزت الى تنوع الخدمات التي يؤديها الهاتف النقال. ويكفي القول إن المرء يُصاحب الخليوي وقتاً يفوق ما يقضيه في المنزل. وفي معرض برشلونه تعانق هذا الجهاز مع البث المرئي-المسموع، بعد طول ارتباطه بمهمة نقل الصوت. وتكرّس ذلك في مبادرتي مهرجان"صن دانس"الأميركي واستوديوات"بوليوود"الهندية. وظهرت خصوصية أُخرى في تعامل الخليوي مع الموسيقى. إذ بات الهاتف النقّال جهازاً أساسياً من أجهزة الاستماع إلى الموسيقى، وخصوصاً مع تزويده التقنيات التي تسمح له بالحصول على الموسيقى من مخازنها الرقمية المختلفة، والاحتفاظ بها على قرصه الالكتروني. وفي اسبانيا مثلاً، فاقت مبيعات موسيقى الهاتف النقال تلك التي تُباع على الانترنت. وبذا، لم يكن غريباً أن يغدو خليوي شركة"آبل""آي بود فون"iPod Phone، والذي يُشار اليه أيضاً باسم"آي فون"، محطاً لأنظار صانعي التقنيات الحديثة، ولشكوك البعض منهم أيضاً. وكما تعانق الخليوي مع التلفزيون، فإنه مال على نوع من زواج المصلحة مع الانترنت أيضاً. وبقول آخر، فإن صناعة الخليوي تريد ان تحوّل"الزبون" إلى مستهلك بفضل الدعايات. ويأمل عمالقة الانترنت، مثل شركات"غوغل"و"ياهو"و"ما سبايس"و"اي باي"و"يو تيوب"في ان يصبحوا شركاء الخليوي، لذا تقدموا، خلال الحدث الاتصالي الاسباني، بمجموعة كبيرة من العروض والخدمات التنافسية. وأعطت الشركات الصينية، مثل"هواووي" Huawei و"آتش تي سي"HTC و"زد تيك" Z techلمستها الخاصة، وبدت واثقة من قدراتها خلال ظهورها إلى جانب الصناعيين الغربيين. وتُعتبر"هواووي"من الشركات البارزة في سوق شبكات الخليوي. وتُركّز "آتش تي سي"على صناعة أجهزة الخليوي وكومبيوتر اليد والمُساعد الرقمي الشخصي PDA التي تتمدد في سوق الخليوي بصورة مضطردة. تلفزيون الخليوي وهواجسه في برشلونة أيضاً، عرضت شركة"باناسونيك"اجهزة كومبيوتر صغيرة يمكن وضعها في الماء، وتقاوم الضربات القوية والغبار ويمكن استعمالها ساعات طويلة من دون إعادة تعبئة بطارياتها. وكذلك قدمت شركة"سبينفوكس"البريطانية برامج تعمل على تحويل الرسائل الصوتية في الخليوي إلى رسائل مكتوبة، لتوفير وقت القراءة على المستخدم. ووفر المعرض للجمهور امكان مشاهدة مجموعة من أشرطة الفيديو كليب والاستماع إلى قناة تقدم الأغاني وقناة اخرى للأخبار المستمرة عبر موقع تلفزيوني متخصص للبث الخليوي هوmediaweblive.tv . وتنطلق تلك القناة فعلياً خلال اسابيع قليلة. وفي تصريح الى وسائل الاعلام، قال مدير هذه الشركة:"باستطاعتنا اليوم ان نأخذ حديثاً من الجدة قبل ركوبها الطائرة، ثم نستلمه في التلفزيون، ثم نتكلم معها ونشاهدها... وقد يدخل على الخط الحفيد الذي يلعب بأحد أجهزة الألعاب الالكترونية". ويجد حديثه عن الطائرة تبريره في ما أعلنته مجموعة من شركات الطيران عن بدء تحضيراتها للسماح لركابها باستعمال الخليوي في الجو من طريق الأقمار الاصطناعية، وخصوصاً عبر نظام"الدخول السريع الى وصلات الإنزال"High Speed Dowlink Packet Access، الذي يُعرف بمصطلح"آتش اس يو بي آيه"HSUPA . والذي يسمح للخليوي بإرسال كميات كبيرة من المعلومات وعقد مؤتمرات الفيديو والحصول على مواد الميلتي ميديا من الإنترنت وغيرها.