بشاشته الصغيرة، استطاع الخليوي أن يدفع بنوع جديد من الترفيه إلى الأعين في مطلع القرن 21 : الترفيه البصري الاتصالي. يعبّر هذا المصطلح عن تلاقي عنصرين: الاتصالات الهاتفية وأشرطة الترفيه المرئي- المسموع. وصعد مفهوم الترفيه البصري الاتصالي بقوة في سياق نجاح شاشة الخليوي في تكريس نفسها منذ عام 2004، باعتبارها"الشاشة الرابعة"للترفيه البصري، بعد شاشات السينما والتلفزيون والكومبيوتر. وشهد العام عينه إطلاق الإعلام المرئي- المسموع المعتمد على شاشة الخليوي في بلدان مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونغ كونغ. كرّست شاشة الخليوي موقعها في الاعلام العام مع كأس العالم في كرة القدم"ألمانيا 2006"، إذ تولّت نقلها إلى جمهور الخليوي باستخدام أنواع متنوعة من الشبكات، شملت الأقمار الاصطناعية باستعمال تقنيتين مختلفتين، يُشار إلى إحداهما باسم"التلفزيون المتنقل" وشبكات الخليوي نفسها. وهكذا، صارت شاشة الخليوي مساحة للقاء الاتصال الرقمي المتطور مع البث التلفزيوني. وفي السنة عينها، دخلت تلك التقنية إلى العالم العربي من دبي"ثم التحقت بها القاهرة وبعض العواصم المغاربية هذه السنة. لم يحدث ذلك الأمر بفضل التكنولوجيا وحدها، بل ساهم جمهور الخليوي في ذلك المسار. فمع دخول الكاميرا الرقمية إلى ذلك الجهاز، خطت شاشة الخليوي خطوتها الأولى باتجاه الاعلام المرئي- المسموع. وسرعان ما صارت أشرطة الخليوي وأفلامه إعلاماً وصناعة وسوقاً هائلة. وشهدت أحداث مثل التعذيب في"أبوغريب"وپ"تسونامي"آسيا وأخيراً مقتلة كلية الهندسة في جامعة فرجينيا، على قوة تلك الشاشة. وفي ذلك المسار، انقلبت معادلة البث - التلقي التي ركن إليها التلفزيون طويلاً"ذلك أن تولي أيدي الجمهور لصناعة تلك الأشرطة أعطتها قوة كبيرة، ما ضرب الحدود بين البث والتلقي ودفع بالكثيرين، خصوصاً المفكر الفرنسي جان بودريار، لإعادة التفكير جذرياً في الظاهرة البصرية المعاصرة. وفي الاتجاه عينه، يلفت أن شبكة الانترنت تلقفت أشرطة الخليوي بلهفة، وسرعان ما ظهرت مواقع تتخصص بتبادلها بين الجمهور مثل"يوتيوب". وأضاف ذلك قوة لشاشة الخليوي، التي تلتقط كاميراتها الأفلام لترسلها إلى الانترنت كما تلتقط أفلام الآخرين لمشاهدتها"ما أعطى للترفيه البصري الاتصالي أبعاداً متشابكة. وثمة مثال صغير نسبياً عن تعقيد ظاهرة الترفيه الاتصالي مع ملاحظة أن الانترنت شبكة اتصال أيضاً بالاشارة إلى سعي شبكة تلفزيونية راسخة مثل"سي أن أن"لدمج تغطيتها للحملة الرئاسية الأميركية مع أشرطة الخليوي في موقع"يوتيوب". واستطراداً، لم تكن السينما بعيدة من تلك الشاشة الصغيرة. يكفي القول إن مهرجان"صن دانس"للسينما البديلة كرّس تلك الأشرطة فنياً وخصّص لها أوسكاراً أسوة بأفلام السينما المخصصة للشاشة الكبيرة. ولم يتردد مخرج من قامة ستيفن سبيلبرغ بالتصريح، في لقاء مع مجلة"تايم"أثناء حفلة أوسكار 2007، بأن السينما باتت أمام منعطف تاريخي، بحيث باتت ملزمة بالتفكير جدياً في شاشة الخليوي الصغيرة وأشباهها مثل شاشتي الكومبيوتر وأجهزة الألعاب الالكترونية. وأوضح أنه يميل للقول أن هوليوود باتت على مقربة من زمن تصنع فيه أفلام سينمائية من نوع خاص للتلاؤم مع الشاشات الرقمية الصغيرة. ويعكس كلام سبيلبرغ، بصرف النظر عن الموقف منه، القوة التي تضرب بها شاشة الخليوي"باعتبارها النموذج الأقوى والأبرز للشاشات الصغيرة في الأزمنة المعاصرة"سينما هوليوود وصناعتها الهائلة. ويرى بعضهم أن شيوع شاشة الخليوي فرض واقعاً مهماً على صُنّاع الألعاب الالكترونية، إذ ساهمت في ظهور أجهزة بشاشات صغيرة مثل"غايم بوي"وپ"بلاي ستايشن بورتابل"وسواهما. شاشات صغيرة، ربما، لكنها غيّرت وجه الحياة اليومية في القرن 21. مبالغة؟ لنتأمل في رقم مفاده أن نصف سكان الأرض نظرياً يحملون هواتف خليوية"بل لنفكر في رقم أكثر تواضعاً يفيد أن واحداً من كل 5 أشخاص لديه خليوي عملياً. أرقام مذهلة. لم تنتشر أي شاشة ولا أي من التقنيات الالكترونية مثل الراديو والتلفزيون والكومبيوتر بمثل هذه السرعة، واحتاجت عقوداً طويلة لتصل إلى هذا المستوى من الانتشار. ويجدر التفكير بهذه الأمور بتعمق للوصول إلى الأبعاد المتشابكة للظاهرة المُعقّدة التي تشير إليها تسمية مثل"الترفيه البصري - الاتصالي"، التي تجمع قطبين لم يتقاربا تاريخياً وإلى حدّ الاندماج في شاشة الخليوي.