ما هو في رأيكم، اليوم، عند مطلع العام 2007، القاسم المشترك بين مارادونا، جاك شيراك، جيمس براون، مايلز دايفيز، اديث بياف، جيمي كارتر، ودانيال بيرك، إضافة الى موليير؟ لا شيء في الحقيقة سوى انهم اناس مشهورون صنع كل واحد منهم اسمه بطريقة معينة، وفي ظروف معينة وغالباً بفضل موهبة معينة، من ناحية، وانهم - من ناحية اخرى - يحظون الآن باهتمام السينمائيين. كيف؟ من طريق تحقيق افلام عنهم. ذلك ان هؤلاء الناس هم الآن وسيكونون خلال الأشهر المقبلة ابطالاً على الشاشة الكبيرة. الشاشة التي تمعن اكثر وأكثر في استخدام سير المبدعين والمشهورين وكل الذين لم يرضوا او يرضى لهم ان يكونوا مجرد افراد في طابور المجهولين، مواضيع لأفلامها. بعض هذه الأفلام وثائقي، أي يستخدم"البطل"نفسه ويتحدث عنه كما الحال مع مارادونا، أو كارتر أو شيراك. لكن البعض الآخر روائي بمعنى انه اتى بممثلين حقيقيين ليلعبوا ادوار الآخرين. وفي هذه الفئة لدينا، مثلاً، رومان دوريس يلعب موليير، ودون شيديل يلعب دور مايلز دايفيز، موسيقي الجاز الكبير، في فيلم يخرجه بنفسه. أما اديث بياف، مغنية فرنسا الكبيرة الراحلة منذ نصف قرن تقريباً، فهي على الشاشة تحت ملامح الممثلة ماريون كوتيّار. ودانيال بيرل، الصحافي الإنكليزي الذي قطع الطالبان رأسه في العام 2002، فإنه سيحضر من طريق ارملته في فيلم يخرجه مايكل ونتربوتوم صاحب"الطريق الى غوانتانامو"، مستقى من سيرة للسيدة ماريان بيرل، تتحدث عن نضالها من اجل إنقاذ زوجها وعذابها من بعد ما فشل ذلك الإنقاذ. انجلينا جولي هي التي تلعب دور ماريان في الفيلم الذي ينتجه زوج انجلينا براد بيت. طبعاً لن يكون هذا كل شيء خلال العام السينمائي الذي لا يزال في أوله، غير ان هذه الأفلام، على تنوعها وانتقائية شخصياتها وأساليبها يمكنها ان تعطي فكرة إضافية عن هذا الولع السينمائي بتقديم سير المشهورين ولا سيما شخصيات القرن العشرين التي تركت بصماتها على التاريخ بإرادتها، أو من دون ان ترد ذلك. واللافت في هذا كله هو أن هذا الاهتمام يطاول رجال السياسة من الذين"صنعوا التاريخ"في شكل سيئ أو جيد - وهذا أمر مفهوم طالما ان ثمة متفرجين كثراً يحبون ان يعرفوا خلفية الأحداث والمسائل الكبرى مما قد تتيحه افلام تحاول التصدي لما حدث من خلال رسم سير المساهمين فيه -، كما يطاول، وهذا امر اصعب على الفهم، شخصيات فنية أو إبداعية في شكل عام تكمن صعوبة تناولها في واقع انها، بفضل فنها، لا تزال تعيش بيننا بمعنى ان متحف التاريخ لم يسحبها منا بعد... ما يخلق صعوبة اقناعنا بأن هذا الممثل يمكن ان يكون، على الشاشة، ذلك الفنان حقاً، وهو أمر اختبرته سينمات كثيرة، منها السينما العربية التي لم تتمكن، في العام الفائت، مثلاً من إقناعنا بأن الراحل احمد زكي يتقمص حقاً على الشاشة شخصية عبدالحليم حافظ، في فيلم"حليم". ومن هنا، على سبيل المثال، ايضاً، حين يشاهد المرء اول الصور من فيلم جديد يحقق الآن عن حياة الرسام والسينمائي الأميركي الطليعي آندي وارهول، يصعب عليه ان يتفاعل مع الممثل غاي بيرس وقد اعطي بعض ملامح وارهول، ولكن من دون ان يتقمص روحه. هنا، لا بد من الإقرار بأن صورة فوتوغرافية جامدة، قد لا تكفي للإقناع، ولكن فيلماً متحركاً قد يبدل الأمور. نقول هذا من دون ان يفوتنا ان نعترض بأن ماريون كوتيّار تبدو مقنعة في دور اديث بياف، منذ الصور الفوتوغرافية، وكذلك حال رومان دوريس، الذي من الإطلالة الأولى بدا اكثر مولييراً من موليير المعروف بصوره، نفسه راجع مقالاً عنهما في مكان آخر من هذه الصفحة. مهما يكن من الأمر، يبقى للسينما فضل المحاولة. وبالتالي فضل اعادة مئات الشخصيات الى"الحياة"وإلى الواجهة، وذلك منذ زمن بعيد، لأن سينما السيرة ليست جديدة، وإن كانت تزداد وفرة وأهمية ويزداد الإقبال على أفلامها. وربما لن نكون في حاجة الى ذكر افلام مثل"لورانس العرب"و"غاندي"وپ"شابلن"و"مالكولم اكس"و"متنزه شان دي مارس"وپ"هارلو"وغيرها وغيرها، حتى نؤكد هذا. كما لسنا في حاجة الى ان نذكر عملاً هو - في عرفنا - الأجمل والأقوى في هذا المضمار، ونعني به"الطيار"لمارتن سكورسيزي - عن حياة المنتج الهوليوودي الثري وغريب الأطوار هاوارد هيوز وقام بدوره ليوناردو دي كابريو -، لكي نشير الى كم تقدم وتطور فن السيرة الذاتية والسيرة المخيلة على الشاشة، بحيث يكاد يكون فناً على حدة، وفناً قائماً في ذاته، لو استمر أمره على هذا النحو، لصارت لدينا افلام عن كل اسم عرفناه في حياتنا.