لم يصدّق مروان ما سمعته اذناه : "لا مستقبل لعلاقتنا! لن انتظر الى ما لا نهاية"، قالتها رلى بجدية حاسمة وغادرت، من دون أن تجرؤ على النظر في عينيه. في الآونة الأخيرة، أحسّ بشيء من الفتور من جانبها، فتور كان يفضي الى نقاش يحتدّ فجأة، من دون مسوّغ منطقي. لكنه لم يتوقع أن يكون ذلك من بوادر نهاية غير سعيدة لقصة حب جمعتهما طويلاً. رلى عاملة هاتف براتب "يدور" حول الحد الأدنى للاجور. وظيفتها أحبطت طموحها المهني، فهي تحمل شهادة جامعية في ادارة الأعمال. ورلى تحب الحياة وتريد أن تتزوج وترغب في تأسيس عائلة... مع مروان الذي تحبه بصدق، ولكن الى متى تنتظر؟ وقد تجاوزت الخامسة والعشرين من العمر، وكل ما يتقاضاه مروان عن عمله كتقني في مصنع للأدوات البلاستيكية، لا يغطي نفقاته كشاب عازب. وليس لديه مصادر دخل أخرى لتأمين منزل ورعاية أسرة وتربية أبناء. اعتمل الصراع داخل رلى عندما تقدّم عصام طالباً يدها للزواج. وعصام شاب ميسور، يملك متجراً للبقالة يؤمّن له دخلاً جيداً... ورأت فيه"فرصة ذهبية"، للزواج والاستقرار... فرصة لم تجدها مع مروان، وقد لا تجدها في المدى المنظور لتتويج حبهما بالزواج. والفتور الذي يسود لقاءاتهما هو بسبب صراعها الداخلي الذي حسمته، بعد تردد طويل، على حساب القلب والأحلام الوردية التي تحولت أوهاماً وكوابيس. قصة مروان ورلى نموذج شائع للعلاقات العاطفية في أوساط الأجيال الجديدة. فبعد أن كان"الحب"أو الود والوئام بين"حبيبين"يشكل، في ما مضى، أساساً للزواج الناجح والحصين في وجه متاعب الحياة وصعوباتها، أخذ هذا الأساس يتزعزع، في ظل الأزمات الاقتصادية وانكماش الأجور، في مصلحة اليسر والأمان المادي. هناء وخطيبها انتظر الأصحاب، بفارغ الصبر، وصول هناء لتشاركهم السهر والاحتفال بخطوبتها. وكم كانت دهشتهم كبيرة حين اكتشفوا أن خطيبها طاعن في السن، تبدو هناء الى جانبه كأنها ابنته!"أعرف ذلك"، تقول هناء، وتضيف:"لكنه سيعوضني عن فارق العمر بالبحبوحة المادية". وهناء مقتنعة بخيارها طالما أن الشرط المادي متوافر وپ"الأعمار بيد الله!"، تقولها كمن يستسلم من دون نقاش لضرورات الأمر الواقع. الحب والفقر استفحال الأزمة الاقتصادية وما أنتجته من بطالة في أوساط الشباب والفتيات وتدنّي الأجور، وضع الفتيات أمام حائط مسدود. فتشوشت رؤيتهن وفقدن شغف الانتصار لعواطفهن طالما أنها بلا أفق. فحين يدخل الفقر من الباب يولي الحب هارباً من كل النوافذ! ولذا، نرى معظمهن"يغامر"بالزواج تحت شعار"الأمان المادي أولاً!"، ويغيب عنهن أن المال ليس الشرط الوحيد لإنجاح الزواج، فهناك الحب والانسجام الفكري والجسدي والتقارب في العمر. وما ارتفاع عدد حالات الطلاق في أوساط المتزوجين حديثاً سوى مؤشر على الأخطار الجدية التي تحدق بالأسرة كأحد أهم تداعيات الأزمة الاقتصادية وانسداد الأفق.