لفرط ما تحدث شعراء قصيدة النثر العربية عن مجلة "شعر" يظن المرء ان المجلة كرست نفسها لهذه الدعاوى، رافضة الأشكال الشعرية القائمة في قلب اللحظة العربية، والحال، ان الأمر ليس كذلك، إذ إن أبرز القائمين على تحريرها يوسف الخال وأدونيس ظلا وفيين، الى حد بعيد، لشكل التفعيلة الذي لم يكن، لحظتها، شكلاً تقليدياً ولا قديم العهد. الاستثناء الوحيد في إطار الهيئة التحريرية للمجلة كان أنسي الحاج الذي لم يأت من العمودي ولا من"التفعيلة"بل من قصيدة جديدة ستفتح لها المجلة أبوابها وستنظّر لها تحت تسمية"قصيدة النثر". لكن التباساً سيطاول هذه التسمية عندما ستصنف قصائد الماغوط التي قدمها"خميس شعر"ونشرتها المجلة بصفتها قصائد نثر. لم تكن قصائد الماغوط، بحسب وعينا الراهن لقصيدة النثر في اصلها الغربي، قصائد نثر، بل على الغالب قصائد من الشعر الحر بمفهومه الغربي، تقريباً، على رغم ان أدونيس وأنسي الحاج نظّرا لقصيدة النثر انطلاقاً، كما نعرف، من كتاب الباحثة الفرنسية الصادر في ذلك الوقت، والذي يرسم إطاراً شكلياً ومضمونياً صارماً لتلك القصيدة. لكن حتى أنسي الحاج نفسه لم يلتزم، طويلاً، بشكل قصائد ديوانه الأول"لن"، الذي هو أول عمل شعري عربي في قصيدة النثر، بمعناها الغربي، وحمل أول بيان من نوعه يقدم به شاعر عربي ديوانه، إذ إن كثيراً من قصائد كتبه الشعرية اللاحقة نوّع بين شكل قصيدة النثر والقصيدة الحرة، بل بلغ مرحلة الإنشاد في"الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع". وعلى رغم هذا الالتباس الذي لا تزال تعاني منه القصيدة العربية حتى الآن، الا ان"شعر"، مع ذلك، كانت حاضناً أساسياً، ان لم يكن وحيداً، لفكرة حرية الكتابة الشعرية باعتبارها ممارسة فردية تمليها التجربة والعيش، قد تتنوع وتختلف بتنوع واختلاف التجارب، وليست أي الكتابة الشعرية انخراطاً في نسق أسلوبي أو مضموني محدد سلفاً. هناك اكثر من جانب يمكن أن نحيي عليه هذه المجلة ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لصدور أول عدد منها ولكن أبرزها، في ظني، هو تشديدها على هذه الفكرة: حرية الكتابة، حرية القصيدة. وأخيراً يخطر لي أن صورة الشعر العربي اليوم لم يكن ممكناً أن تكون كما هي عليه اليوم لو لم توجد مجلة"شعر"، وهي، بهذا المعنى، شكلت منعطفاً في تاريخ الشعرية العربية المعاصرة. شاعر أردني