اتفقت فاطمة وندى بعد يوم واحد من انجابهما طفليهما رشا واسعد أن يكونا لبعضهما البعض زوجين في المستقبل، فتكون رشا من نصيب اسعد. ووافق الأبوان على اتفاق امرأتيهما بحضور شاهد آخر هو الجد. ظاهرة تزويج البنت وهي ما زالت في طور الرضاعة، وحجز العريس لها وهو في وضع مماثل، ليسا ظاهرة جديدة في حياة العائلة العراقية بل تعودان الى أعراف اجتماعية قديمة تحتم على البنت اختيار ابن العم زوجاً لها، وأحياناً الموافقة عليه من دون ان يكون لها رأي في من اختاره الاهل زوجاً لها. هذه الظاهرة التي اختفت، أو كادت أن تختفي في فترة من الفترات ولا سيما بعد التطور الثقافي الذي بلغته الأسرة العراقية إبان السبعينات والثمانينات، عادت اليوم إلى الظهور مجدداً بسبب تراجع عدد الرجال. فالموت، بحسب اعتقاد غالبية العراقيين يبتلع الرجال والشباب وتبقى الفتاة أسيرة العنوسة والانتظار سنوات طويلة لعريس يطرق بابها وقد لا يطرقه على رغم طول الانتظار! وتقول فاطمة:"إنها تعذبت كثيراً حتى لاقت الزوج، فهي البنت السادسة لأسرة لم يكن لها سوى البنات. وفي حين جاء كلاً من اخواتها الخمس الأخريات"نصيبهن"فتزوجن من أبناء عمومتهن وأبناء الخالات في سن مبكرة، بقيت هي، وقد عانت كثيراً لكونها البنت الصغرى، وفقدت ما تبقى من أبناء العمومة في الحروب التي مرت بالعراق وآخرها الغزو الاميركي"فابتلع ما ابتلع من الرجال". أما هند التي تزوجت من أحد أبناء عمومتها فتقول عن نفسها انها لم تعان من هذه الناحية، فالعريس كان"محجوزاً"لها وهو بعد في طور الرضاعة، لكنها تخشى على بنتيها رباب وهناء ولا تعرف ماذا يخفي القدر لهما،"فالموت يسلب حياة الشباب بلا رحمة"، كما تقول في ضوء ما تراه من حوادث العنف اليومية. ولم يخف وعد قلقه وهو يومئ إلى تلميذات مدرسة البنات اللواتي خرجن من المدرسة مثل السيل الجارف موضحاً أنهنّ سيعانين كثيراً وهن يسعين الى الحصول على الزوج المناسب وذلك بسبب الوضع المأسوي الذي يشهده العراق حيث يخطف الموت يومياً حياة عشرات الشباب. يشار الى أن الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية اصدر تقريراً خاصاً عن الوضع السكاني والاقتصادي في العراق تحت عنوان"العراق 2005 أرقام ومؤشرات"، قدر عدد سكان العراق حتى عام 2005 ب 27.13 مليون نسمة. ولاحظ التقرير أن نسبة الذكور إلى الإناث من سكان العراق بدأت تتصاعد بصفة طردية منذ العام 1997، إذ قدر عدد الذكور ب 10 ملايين و987 الفاً، فيما قدر عدد النساء ب 11 مليوناً و59 ألفاً.