لم تكن العراقية هدى حميد تتوقع وهي تخطو خطواتها الأولى في عمان ان تكون نهايتها بحسب هذه النهاية المأسوية، فهي عانت كثيراً من حرائق غطت معظم جسدها قبل ان تموت بعد اسبوع من العلاج الذي لم يأت ثمرته في احد المستشفيات. هدى ابنة العشرين كانت تأمل في زواجها من شاب عراقي مقيم في الأردن حياة هانئة تبعد عبرها آثار سنوات الانتظار والمعاناة الصعبة في بلدها، غير ان اقداراً سوداً، هي اشبه بالقدر الدائم للعراقي حتى وإن طار الى آخر الدنيا لاحقته، ولتحترق في بيت الزوجية الذي دخلته منذ شهرين فقط. وليتصاعد مع موتها احساس عند عراقيين كثر في عمان متفاقم باليأس وبأنهم سيكونون دائماً ضحايا اقدار سود ستلاحقهم اينما حلوا وإن نالوا الظفر بالوصول الى "مكان آمن" غالباً ما يكون احدى البلدان المانحة للجوء في الغرب. وإذا كانت هدى حميد، ماتت محترقة بنيران مطبخ لم تعتد الدخول إليه، وبالكاد اهتدت الى معالمه، فإن غيرها من العراقيات اللائي تزوجن من غير معرفة ازواجهن جيداً، ووصلن من العراق الى السويدوهولنداوالولاياتالمتحدة واستراليا عبر اختيارات حددها افراد عائلة الزوج المقيمة في داخل العراق، لسن اقل حظاً وحزناً ويأساً، فثمة اختلافات اجتماعية لم يعهدنها في بلدان بدت اشبه بالعوالم الخرافية، مثلما لم يتوافقن مع سلوك رجال ما عادوا بالصورة النمطية المعروفة عن العراقي في وطنه. زوجات شابات لم يمكثن اكثر من سنة مع ازواج في بلدان اوروبية، عدن الى العراق يعانين تمزقاً وجدانياً ونفسياً وضغطاً وصل عند بعضهم حد الاعتلال. سمر حسين عادت من السويد، متوقفة في عمان اياماً عدة قبل الذهاب الى بغداد حيث تسكن، وهي تركت شقة في مدينة مالمو قالت انها صارت بمثابة السجن لها، فلا هي اعتادت المكان ولم تعرف لغته، ولا عادته، مثلما فوجئت بالزوج، فصورته التي قدمها اهله لها، كانت صورة قديمة وتعود الى نحو 20 عاماً، وهو ليس في سن الأربعين كما قيل لها، بل هو اكبر من ذلك بكثير وأنه كان متزوجاً من سويدية وطلّقها، وأنه بخيل جداً ويحاسبها حتى على وقت الاتصال التلفوني الشهري مع عائلتها في العراق. وتمضي الفتاة التي انهت دراستها الجامعية في "علم النفس التربوي" العام 1998 في الكشف عن معاناتها في المكان الذي توقعته "امل الآمال" والوسيلة التي ستضع حداً للعزلة والفاقة في وطنها وضيق ذات اليد الذي يمسك بعائلتها، وتقول: "لم اجد ضالتي في الزوج ولا في المكان، مثلما لم أتمكن من التخفيف من معاناة اهلي في العراق، فزوجي البخيل كان يحاسبني على سعر الرغيف فمن اين أوفر مالاً كي أحوّله الى عائلتي التي سهرت عليّ وعلّمتني"؟ الغريب ان هذه العراقية اليائسة تسكن في الفندق الأردني ذاته الذي تسكن فيه شابة عراقية اخرى بصحبة شقيقها ووالدتها، قدمت من بغداد قبل ايام وتنتظر وصول "الخطيب" الذي استعان بعائلته كي تختار له "زوجة صالحة" تعينه على غربته في الولاياتالمتحدة. وعن "نصيحة" ما توجهها لهذه الفتاة المستبشرة الأسارير تقول سمر: "لن أكشف لها ما تعرضت له، وقد يبدو حظي انا فقط عاثراً وقد يكون زوجها القادم ابن حلال فعلاً وتبني معه حياة جديدة فعلاً"، وتضيف مستدركة: "اعرف عراقيات كثيرات تزوجن مثلي وبمساعدة ازواجهن تعرفن على عالم جديد وانسجمن معه، وحالي ليست قياساً لآخرين". وفي إطراقة صغيرة تختلط فيها الحسرات بضحكة خجلة، تقول سمر: "من العجائب السخيفة لتحولات الإنسان العراقي في الخارج، هي علاقته المنفصمة بالمرأة، فهو يريد ان يكون حراً وعلى مزاج المجتمع الغربي مع باقي النساء مثلما يحرص على ان يكون شرقياً متعجرفاً ومتعصباً مع زوجته وبناته". هنا تستذكر ما كان يفعله جارهم العراقي في السويد مع عائلته، حيث كان "يحجر على بناته ويجبرهن على وضع الحجاب فيما هو يعمل في ملهى ليلي"، لافتة الى ان "الانفصام في تركيبة رجال عراقيين عاشوا المجتمعات الغربية اليوم يصل الى حد انهم يفاخرون في جلساتهم الخاصة بمغامراتهم النسائية في الوقت الذي تجتمع فيه اكثر من عائلة في وقت واحد اثناء احدى الإجازات، وبالطبع حين تجتمع الزوجات في المطبخ لإعداد وجبة طعام تذكرهم بالوطن". قصص النساء العراقيات العائدات من "الجنة الموعودة" في منافٍ تمتد من نيوزيلندا جنوب الأرض الى السويد شمالها، ومن الولاياتالمتحدة في الغرب الى هولندا وسط اوروبا، بدأت تتناقلها الصحف الأسبوعية الصادرة في بغداد، حيث الرأي العام الرسمي الذي ينظر بريبة الى المجتمع العراقي خارج البلاد، وفي احسن الأحوال هو "مجتمع متنعم ويقبض بالعملة الصعبة ولا يعاني قهر العراقيين في الداخل ولا أحزانهم". ومن بين تلك القصص، ما نشر في صحيفة "الزوراء" الأسبوعية الصادرة في بغداد، عن عراقية "تزوجت بالمراسلة" رجلاً من ابناء مدينتها وذهبت الى لقائه في اليونان والعيش معه، لتكتشف انه على نقيض ما سمعته من وعود، وعلى العكس مما وصف به الأهل ابنهم، ولتذكر الصحيفة، ان الزوجة نالت منه "جحوداً بخلاً وإهمالاً حوّل حياتها من جنة موعودة الى جحيم مؤكد". وفي حين يرى باحث اجتماعي في الظاهرة "من نتاج الحصار ولجوء العوائل العراقية الى البحث عن منفذ لتعديل ظروفها الحياتية والاقتصادية عبر الموافقة على زواج بناتها من عراقيين مقيمين في الخارج" فإن احد الآباء الذين وافقوا على زواج ابنته من عراقي كان الأهل والرسائل والصور وسيطاً بينهم، يقول "تحملت وزوجتي مرارات الغربة وابتعاد ابنتنا، ومفاجآت قد تتعرض لها في مشوارها البعيد ولكن ايماني بالله كبير، وأشواقنا ودعاؤنا ستكون حارسة لها، مثلما آمالنا بها كبيرة، فلو حصلت على عمل ولو كان زوجها "ابن حلال" فعلاً فأحوالنا ستتحسن كثيراً ويمكننا توجيه احتياجات بقية افراد العائلة وجهة حسنة".