قضية شرعية بحتة لا دخل للاجتهاد أو العلاقات الاجتماعية بها.. إخوة الرضاعة.. من القضايا الشائكة، التي بسببها قد تتفكك أسر وتنهار علاقات نشأت بين فتاة وشاب، ليكتشفا في نهاية المطاف أنها أخته.. مواجها السؤال العريض هل يرضخ لحكم الشرع؟ الجواب كان دائماً؛ نعم، لأننا في مجتمع لابد أن يرجع أولاً وأخيراً لحكم الشرع في تحديد مسار علاقاته الاجتماعية، ف «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، ليكون هذا الحديث الشريف مسوغاً شرعياً يحرم ارتباط الأخ بأخته حتى لو كانت من خلال 3 أو 5 رضعات تلقاها بمعية أم مشتركة. ولئن كانت أغلب الحالات والقصص التي نعرض لها في هذه القضية تأتي الشهادة متأخرة وفي وقت قاتل (أي بعد عقد القران وإتمام مراسم الزواج) إلا أن جميع هذه القصص انتهت بفك الارتباط بين الزوج وزوجته بناء على شهادة موثوقة من امرأة غالباً ما تكون هي المرضعة نفسها. كانت البداية مع قصة أم مشعل 55 سنة التي كشفت ل «الشرق» إنها أرضعت عددا من الأطفال وبعد زواج إحدى الفتيات التي أرضعتها اكتشفت أنها تزوجت خالها من الرضاعة، حيث إن الزوج رضع من زوجة أبيها، وفي الشرع أن حليب ثدي الأم يكون الأب شريكا في هذا الحليب، بهذا يكون الزوج أخاها من الرضاعة والبنت ابنتها من الرضاعة وقد أبلغتهم لكن تم الرفض بعدم فسخ الخطوبة، وتم الزواج وإنجاب عدد من الأطفال. وذكرت أن جميعهم معاقون ولم يتم الطلاق حتى هذه اللحظة، رغم أنني أرضعت الفتاة ثلاثة أيام متواصلة وزوجة أبيها أرضعت الزوج شهراً كاملاً. قصص هنا وهناك لا ترقى لدرجة الظاهرة، لكنها تبقى مشكلة في مجتمع تكثر فيه معدلات الزواج من الأقارب، الذي تكثر فيه هذه القصص، ومن القصص المضحكة المبكية التي لم نشاهدها إلا في المسلسلات البدوية ذكرت أم ناصر الشمري تبلغ من العمر 70 سنة أنها في عمر 16 سنة: «أحببت شاباً وكان فارس أحلامي، وتقدم هذا الشاب لخطبتي وتمت الموافقة عليه مما جعلني في أسعد أيام حياتي، وفي ليلة الزواج قامت أمي وشقيقاتي بتلبيسي ورش العطور عليّ وتجهيزي للزفة، وبدأ الجميع يغني ويرقص احتفالاً لزواجنا بعدها أتت عجوز، من منطقة بعيدة عن منطقتنا ونزلت عند الرجال وقالت بصوت مرتفع أين والد العروس ووالد العريس، وقالت لهم إني أرضعت العريس والعروس ومعي شهود عدد من النساء مما ألغى الزواج وأنا من قوة الصدمة أغمي علي وبعدها لم أتزوج إلا وأنا في الأربعين من عمري ورزقني الله بطفلين. ولم تنته هذه القصص حتى الآن، حيث تم فسخ خطوبة جديدة في حائل حيث ذكرت أم يوسف والدة العريس أنها بحثت طويلا عن الزوجة المناسبة لابنها واختارت له زوجة مناسبة وذهبت لخطبتها وتمت الموافقة، وعندما علم الناس بخطوبة ابني هاتفتني والدة العروس بقولها أم يوسف إن عمة ابني تقول إنها أرضعت ابنكم وابنتي، ويوجد شهود على هذا الكلام فشكل هذا الخبر صدمة لي ولابني وتم فسخ الخطوبة، مختتمة بقولها: (يا فرحة ماتمت). وفي قصة أخرى ذكرت المعلمة خلود العنزي وهي تضحك أن جداتي من الأب والأم حرمننا من زواج الأقارب حيث إن جداتي جعلن أثداءهن (سبيلاً) لإرضاع أطفال حائل تقريبا، وجميع من تقدم لخطبتي أو خطبة شقيقاتي إما أن يكون خالا أو عما مما جعلنا نتزوج بعيداً عن الأقارب رغم أن الأقارب الأنسب لنا، نظراً لزيادة اللحمة ووقوف الأهل مع بعضهم في أوقات الشدائد وغيرها من الأسباب. وأوضحت فاطمة العنزي 28 سنة أنه بعد قرانها بنفس اليوم تم فسخ الخطوبة بالطلاق والسبب أن امرأة كبيرة بالسن ذكرت أنها أرضعتني وكذلك أرضعت خطيبي، ما جعلنا ننهي العلاقة الزوجية في سلام. «الشرق» ناقشت قضية زواج إخوة الرضاع من الناحية الشرعية والقضائية والأثر النفسي والاجتماعي والتربوي. وكانت بدايتنا مع رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في مستشفى حائل العام لافي حسين الشمري الذي قال: تعتبر رضاعة الإخوة إيجابية وليست ظاهرة سلبية نظراً للحاجة الغذائية للطفل نتيجة لظروف معينة يمر بها، مثل وفاة الأم وهو لا يزال صغيراً وكذلك مرض الأم، وكثير من أولياء أمور الأطفال يلجأون إلى ذلك لمثل هذه الأسباب وغيرها. وقال: الجميع يعرف قبل نصف قرن تقريباً لم تكن هناك بدائل لحليب الأم ولا الرضاعة، وقدوتنا في ذلك رسولنا الكريم عندما أرضعته (حليمة السعدية). وأضاف الشمري: الرضاعة ليس لها تأثير سلبي على المجتمع، وإنما لها روابط صلة فيما بينهم. أما في حال اكتشاف الزوجين إنهما إخوة من الرضاعة، فهذا له تأثير اجتماعي ونفسي في بداية الأمور، ولابد من شرح ذلك لهما وعمل جلسات نفسية واجتماعية من قبل متخصصين في علم النفس العيادي والإرشادي، ومختصين في الخدمة الاجتماعية حتى يتخطيا تلك الصدمة. وأضاف الشمري قائلاً: إن حدوث مثل هذه المشكلة في ظل وجود أطفال بين الزوجين، سيكون لها تأثير على نفسيات الأطفال، وقال: في هذه الحالة لابد من المعالجة من قبل مختصين في معالجة الأطفال، لأن نفسيات الأطفال تختلف عن الكبار بكل تأكيد. واقترح الشمري عديدا من الحلول لتلافي مثل هذه الظاهرة، أو الحد منها. مبيناً أن التوعية من قبل الجهات المعنية بالأسرة والطفولة هي من أهم الاقتراحات في هذا السياق. وقال: لابد من عمل ندوات ومحاضرات بهدف توضيح المخاطر المحتملة لمن يقع في هذا الحرج. مشدداً على أن انتشار التوعية بين أوساط الشباب والشابات وكذلك العائلات سوف يخفف من أثر الصدمة، مثلها مثل أي مرض آخر، عندما يتحصن الإنسان بالمعرفة، فسوف لن يتأثر عندما يصاب به. أما المأذون الشرعي صالح العتيبي فشدد على ضرورة تقصي المأذونين لهذه الأمور؛ سواء بوجود تعميم أو غيره، وذلك إبراءً لذمتهم، مبيناً أن المأذون هو في الأصل نائب عن الحاكم الشرعي في عقد الأنكحة، لذلك عليه قبل عقد النكاح التوثق من عدم وجود الشك في الرضاع. وأوضح العتيبي أنه في حال وجود شك فالأولى أن يتوقف عند عقد النكاح ويبين للطرفين حرمة هذا الزواج حتى يتبين غير ذلك، مشيراً إلى أن القاضي تبرأ ساحته في حال توثقه، حتى لو كان هناك تدليس في القضية. وفي ذات الوقت استحسن العتيبي فكرة وجود تعميم رسمي على مأذوني الأنحكة بضرورة التقصي، لافتاً إلى أن الوزارة تشترط في المأذون أن يكون مؤهلاً من ناحية شرعية، ويتثبت قبل عقد الزواج، لكن دون وجود تفصيلات لقضية التأكد من وجود الرضاع بين الزوجين. وذكرت فتاوى اللجنة الدائمة، إذا رضع شخص من امرأة وكان رضاعة كما تقدم وصفه فإنه يصبح ابناً لها ولزوجها من الرضاعة، وأخًا لجميع أبنائها وبناتها من قبله ومن بعده، وأخًا لجميع أبنائها وبناتها من أزواجها الآخرين؛ لأنه ابن لأمهم من الرضاعة، و أخ لجميع أبناء وبنات زوجها صاحب اللبن من نسائه الأخريات؛ لأنه ابن لأبيهم من الرضاعة، وأما إخوان الشخص الراضع فلا يدخلون معه في الرضاع، وإنما الحكم لمن رضع لأنه هو الذي دخل على من رضع منهم. أثبتت الأبحاث العلمية التي أجريت حديثاً وجود أجسام في لبن الأم المرضعة يترتب على تعاطيها تكوين أجسام مناعية في جسم الرضيع بعد جرعات تتراوح من ثلاث إلى خمس جرعات، وهذه هي الجرعات المطلوبة لتكوين الأجسام المناعية في جسم الإنسان، حتى في حيوانات التجارب المولودة حديثا التي لم يكتمل نمو الجهاز المناعي عندها، فعندما ترضع اللبن تكتسب بعض الصفات الوراثية الخاصة بالمناعة من اللبن الذي ترضعه، وبالتالي تكون مشابهة لأخيها أو لأختها من الرضاع في هذه الصفات الوراثية. ولقد وجد أن تكوين هذه الجسيمات المناعية يمكن أن يؤدي إلى أعراض مَرَضية عند الإخوة في حالة الزواج. ومن هنا وجدت الفتاوى الحكمة في هذا الحديث الشريف الذي يقول «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وضالتهم في تحريم زواج الإخوة من الرضاع الذي حدد الرضعات بخمس رضعات مشبعات، على اختلاف عند الفقهاء.