نشترك وجمهور المشاهدين في إطلاق الأحكام القاسية على المسلسلات الدرامية الخليجية؛ قد نكون محقين عندما ننتقد محدودية ونرجسية المنتج الممثل، عندما يحرق المراحل، متحولاً من "كومبارسٍ" مثابر إلى تاجر شنطة، يُصرّ على أن يكون بطل الأبطال في هذا المسلسل أو ذاك. وقد نكون مصيبين عندما "نتشاطر" رفض المسلسلات البكائية، المغرقة في "الميلودراما" وهي تسيطر على الأعمال الخليجية؛ المتشابهة على مستوى الموضوعات؛ إلا أن ثمة أمراً لم نتحدث عنه وهو دور ومسؤولية المحطات الفضائية في نهوض أو تأخر الدراما الخليجية وخروجها من عنق الأعمال المكررة والمطوقة ضمن لعبة الدراما المنزلية. خالتي قماشة أنجح مسلسل خليجي نعلم جميعاً أن المحطات الخليجية تنتج وتشتري وتقدم عشرات المسلسلات العربية؛ والسؤال: لماذا تنجح الأعمال السورية وتخترق الحدود لتتفوق عربياً، بينما المسلسلات الخليجية التي تعرض وتنتج وتشترى في نفس هذه القنوات، لم تصل إلى نصف النجاح الذي وصلت إليه شقيقتها السورية؟. وإذا تركنا عامل التفوق الفني السوري جانباً، فإننا سنرى في الشروط والقيود التي تُفرض على الدراما الخليجية، سبباً في تأخرها، حيث تتعقد الأمور بين القناة التي تخشى على مشاعر معلنيها "المادية"، وصولاً إلى الإصرار على تقديم نوع واحد من الأعمال المحدودة السقف، في ابتعادٍ عن خوض مغامرة الأعمال التاريخية، لمجتمعات الخليج العربي؛ وهو ما لا نجده في الدراما السورية التي قدمت بجرأة مجموعة أعمال تاريخية قديمة ومعاصرة، كما نتذكر في مسلسل "الحصرم الشامي" للمؤلف فؤاد حميرا. وحتى المسلسلات الاجتماعية الخليجية، لم تتمكن الدراما الخليجية من تقديم صيغة فنية واقعية لمجتمعاتها مقدمة أعمال تكرس النظرة النمطية لأبناء الخليج العربي، حيث السيارات الفخمة والقصور..الخ. فضلاً عن خنق المبدع الخليجي في بيئات لا يستطيع "التطاول" على غيرها، وهنا يمكن أن نحيل المشاهد إلى مسلسل "ولادة من الخاصرة" للكاتب سامر رضوان والذي سجّل جرأة في نقد واقع الفساد، ومن هنا نسأل ماذا لو قرر المنتج الخليجي تقديم دراما شبيهة؛ فهل سيعرض عمله؟. بلا شك سيجد ممانعة من قبل الفضائيات التي تريد تنميط المسلسل الخليجي وحصره في دائرة ضيقة، وهكذا سنرى أن الظروف الإنتاجية والثقافية والاجتماعية، أيضاً، هي من سيتواطأ على النهوض بالدراما الخليجية، وليس فقط كسل واستغلالية بعض المنتجين الخليجيين. إننا نصبو إلى أن يمسك بالإنتاج الدرامي الخليجي في هذه القنوات منتج فنان وطموح ومؤمن بضرورة تطور الدراما الخليجية، إنصافاً لثقافة هذه المجتمعات واحتراماً لعقول شعوبها، بعد أن أثبت موسم رمضان الأخير أن الأمور ليست على ما يرام؛ إذ بين مجمل المسلسلات الخليجية المعروضة، لم يلمع سوى عملين أو ثلاثة، فيهما من الأخطاء ما يُنغص على المشاهد متعة المشاهدة. كما يتوجب على المبدع الخليجي أن ينشط أكثر في خلق وتقديم أفكار وموضوعات وأعمال جديدة، تقلل من حركة هجرة المشاهدين نحو الأعمال التلفزيونية الأخرى وهو ما يتطلب العمل أكثر على خلق بيئة درامية إنتاجية حقيقية تكف عن الاتكال على البيئات الفنية الأخرى، كما نشاهد في الأعمال الدرامية التراثية الخليجية، وهي تصور في سورية أو الأردن. صحيح أن القنوات لا تتحمل كامل المسؤولية، في ظل غياب معاهد درامية تقوم بتأهيل وصقل المواهب الفنية التلفزيونية.. الخ؛ إلا أن وزر القنوات الخليجية سيبقى جاثماً، مادامت الدراما الخليجية خارج المنافسة العربية، إذ أن المحطات الخليجية، لم تتمكن حتى اليوم من تقديم عمل خليجي يضاهي في تنافسيته ورواجه ووصوله إلى المشاهد العربي، مثلما بلغت سمعة ونجاح مسلسل خالتي قماشة (1984) بعد أن عرض على محطات تلفزيونية حكومية عربية وسجل إعجاب الناس ولفت أنظار النخبة الفنية، كما صرح بذلك يوما الفنان أسعد فضة.