بدأ الأمر بسيطاً. فقد كنتُ أحاول أن أتأكد من شيء قاله جورج بوش عن توني بلير، وقادني البحث الى عبارات مأثورة أخرى له، ثم الى الكوميدي ستيفن كولبرت الذي صدر له أخيراً كتاب ساخر سأعود اليه في زاوية مقبلة، والى نائب الرئيس ديك تشيني وعصابة الحرب حوله، والى من ترك الادارة ومن بقي فيها. وهكذا وبعد جهد بدأ في الصيف لجمع المادة والاختيار منها، سأكتب عن الرئيس قبل أن أكمل بنائبه، وأحاول تخفيف الوطأة على القراء ببعض المادة الخفيفة ذات العلاقة. وجدتُ ان الرئيس بوش رفض وصف الصحافة البريطانية رئيس الوزراء السابق بلير بأنه"كلب بوش"لتبعيته الذليلة للسياسة الأميركية. وقال بوش معلقاً: سمعت انه يوصف بأنه"كلب بوش". هو أكبر من ذلك. أكبر من ذلك؟ هل هو من"الكبر"انه"حمار بوش"مثلاً؟ الرئيس بوش قال في مناسبة أخرى: أشعر بقوة انه يجب ان تكون هناك عدالة عادلة. وتركتني هذه العبارة أفكر في ظلم ظالم، أو عدالة ظالمة، أو ظلم عادل، أو بطيخ أحمر. نحن تعلمنا: ظلم في السويّة عدل في الرعية، ما يعني ان الحكومات العربية كلها عادلة. غير انني أبقى مع الرئيس الأميركي حتى لا أُظلم في بلادي، فقد قادني البحث الى قوله: الاشخاص أنفسهم الذين يقتلون الناس الأبرياء في العراق هم الذين هاجموا أميركا في 11 أيلول سبتمبر 2001. هذا الكلام يحتاج الى توضيح: أولاً، اذا كان الرئيس يتحدث عن القاعدة فهو صادق في انها وراء ارهاب 11/9/2001، وانها وراء ارهاب كثير كبير في العراق. ثانياً، القاعدة ليست القاتل الوحيد في العراق، فالقوات الأميركية تقتل مدنيين أبرياء، وكذلك تفعل شركات المرتزقة التي أصبحت جيش احتلال ثانياً في العراق. ثالثاً، القاعدة لم تكن موجودة في العراق قبل احتلاله، وبما ان الاحتلال الاميركي أدخلها العراق، فإدارة بوش مسؤولة عن جرائمها ضد المدنيين مسؤولية القاعدة نفسها عنها. رابعاً، الخطأ الأساس تتحمله ادارة بوش وحدها، فهي التي لفقت أسباب الحرب على العراق، فكانت الكارثة التالية التي راح ضحيتها حتى الآن حوالى مليون عراقي، مع أكثر من أربعة آلاف جندي أميركي وحليف. هناك ألف دليل قاطع يمكن عرضها على محكمة جرائم الحرب الدولية، وبعضها من نوع يكفي وحده لإدانة جورج بوش وديك تشيني وأركان الادارة بطلب حرب من دون أدلة ثابتة على التهم الموجهة الى صدام حسين، بل بتلفيق الأدلة عمداً لتبرير الحرب دونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز ودوغلاس فايث ومكتب الخطط الخاصة في وزارة الدفاع الذي قدّم معلومات استخبارات بديلة كاذبة. اليوم أكتفي بنصَّين يعودان الى اجتماع الرئيس بوش مع رئيس وزراء اسبانيا في حينه خوسيه ماريا اثنار في كروفورد في 22/2/2003، والى اجتماع في 10 داوننغ ستريت، مقر رئيس وزراء بريطانيا، في 23/7/2002، عُرف باسم"مذكرة داوننغ ستريت". مذكرة الاجتماع البريطاني نشرتها"صنداي تايمز"في 1/5/2005، ومذكرة اجتماع كروفورد نشرتها جريدة"إل بايس"الاسبانية في 26/9/2007. المذكرة البريطانية توضح ان جورج بوش عقد العزم على مهاجمة العراق بغض النظر عن الأدلة، والى درجة ان يحاول استفزاز العراق لتبرير هجوم عليه. ورئيس الاستخبارات العائد من واشنطن يقول ان الحرب تبدو محتّمة، وجورج بوش يريد إطاحة صدام حسين بالقوة العسكرية على أساس اتهامه بالارهاب وامتلاك أسلحة دمار شامل. ويؤكد رئيس الاستخبارات ووزير الخارجية ان الأدلة على وجود هذه الاسلحة ضعيفة، ويزيد الوزير ان قدرة صدام حسين النووية أقل من قدرة ليبيا وكوريا الشمالية وإيران. وإذا كان ما سبق لا يكفي، فرئيس الاستخبارات يقول انه لم يجد دليلاً في واشنطن على استعدادات لما بعد الحرب. المذكرة الاسبانية تؤكد كل ما ورد في المذكرة البريطانية وتزيد عليها، وهي تظهر مرة أخرى ان جورج بوش قرر الحرب، من دون طلب موافقة دولية عبر مجلس الأمن الذي يعتبره بطيئاً ومن نوع"التعذيب الصيني بالماء". وهو سمع عن عرض لصدام حسين لترك البلاد مع بليون دولار ووثائق عن أسلحة الدمار الشامل، الا انه يرفض اعطاءه ضمانات للمستقبل. أسوأ مما سبق ان الرئيس بوش يهدد اعضاء مجلس الأمن اذا وقفوا ضد قرار عن العراق وهو انتهى بتجاوز المجلس كله ويتحدث عما سيصيب المكسيك وتشيلي وأنغولا والكاميرون من غضب ادارته اذا عارضت هجوماً على العراق. صدام حسين ارتكب جرائم معروفة، وجورج بوش يصفه بأنه"لص وإرهابي ومجرم حرب"، ثم يزيد عليه ارهاباً وجرائم حرب، وفي حين لا أريد لأحد في ادارة بوش ان يشنق وسط هتاف اعدائه، فإنني أرجو ان يحاكم من يستحق المحاكمة. وأكمل غداً.