ألفاظ عربية لا تشتمل على كلمات أجنبية عند التأسيس    السيولة في الاقتصاد السعودي تسجل 2.9 تريليون ريال    خادم الحرمين يرعى المُلتقى الدولي للمسؤولية الاجتماعية    الفقيه: مشروعات الاستزراع السمكي منوعة    الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة عشرة تصل لبنان    «خير المملكة» يتواصل في اليمن وسورية    غزة.. عام آخر من التطهير العرقي    "اتحاد القدم" يختتم دورة الرخصة التدريبية الآسيوية "A"    3 مواجهات منتظرة في افتتاح دور ال 16 من كأس الملك    القيادة تهنئ حاكم سانت فنسنت وجزر الغرينادين    نائب أمير حائل ينوه بدعم القيادة لقطاع التعليم    سعود بن جلوي يستقبل مدير الدفاع المدني بجدة    أمير الرياض يستقبل السفير الياباني.. ويعزي الدغيثر    "موهبة" تطلق فعاليات أولمبياد إبداع 2025    قيمة استثنائية    الطائف: أساتذة وخريجو معهد المراقبين يعقدون لقاءهم العاشر    وكيل الأزهر يشيد بجهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    «التنفس المخلوي».. الوقاية بالتوعية    إنقاذ حياة فتاة بتدخل جراحي    مستشفى الأسياح يدشن مبادرة "نهتم بصحة أسنانك"    إسعاف القصيم الجوي يباشر اصابة راعي إبل في الصحراء    انتخاب ناصر الدوسري رئيساً للجنة العمالية بسابك    «موسم الرياض» يطرح تذاكر منطقة «وندر جاردن»    بعد سيطرة رونالدو وميسي.. العالم يشهد مولد نجم جديد    السني مديراً للموارد البشرية بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    الشرق الأوسط.. 500 عام من الصراعات!    أنا والعذاب وهواك في تكريم عبدالوهاب..!    «بلان» أمامك أسبوع امتحان    9.7 ملايين عقد عمل موثق عبر منصة قوى    إسرائيل.. ولعنة لبنان!    كيف يستعد الأوروبيون لترمب؟    إطلاق 15 ظبياً في واحة بريدة    صلاح يقود ليفربول لتعادل مثير مع أرسنال بالدوري الإنجليزي    5095 ساعة تطوعية بجمعية العوامية    أهلاً بعودة رينارد    محافظ جدة يدشن معرض «إبداع 2025»    سندالة.. حلم وتحقق    الأمطار تغلق عقبة الباحة عدة ساعات وتسبب انقطاعات في الكهرباء    الطائرة الإغاثية السعودية ال14 تصل لبنان    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    وزير العدل يبحث مع نظيره القطري سبل تعزيز التعاون    سعود بن نايف يرعى مُلتقى الأوقاف 2024م نوفمبر المقبل    أمير الشرقية يدشن أعمال المنتدى الدولي لتعزيز مسيرة الحياد الكربوني    البطولة تضحيات    السجل العقاري يبدأ تسجيل 43495 قطعة عقارية في مدينة الرياض ومحافظة الدرعية    244 مروحة ضباب مائي لتبريد ساحات المسجد الحرام    أمير الجوف ونائبه يُعزّيان مدير مرور المنطقة السابق في والده    جلوي بن عبدالعزيز يواسي آل سليم وآل بحري    فرع هيئة الأمر بالمعروف بنجران يشارك بالمنصة التوعوية في مهرجان مزاد الإبل    أمن واستقرار المنطقة    المساجد في الدول الإسلامية والغربية    برشلونة يضرب ريال مدريد برباعية    ختام الدورة العلمية التأصيلية للدعاة والأئمة في المالديف    «همبرغر ماكدونالدز» يقتل شخصاً ويُصيب 13 ولاية أمريكية ب«التسمم»    إلا خدمة «وصفتي»    تكريم الفائزين بجائزة الأمير محمد بن فهد في دورتها الثالثة لأفضل أداء خيري في الوطن العربي    سموه عقد اجتماعًا مع رؤساء كبرى الشركات الصناعية.. وزير الدفاع ونظيره الإيطالي يبحثان تطوير التعاون الدفاعي    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ياسمين والرجال" فيلم جديد لعبد القادر لقطع . المرأة في الموقف الأصعب ... مواجهة الرغبات المريضة في مجتمع ذكوري
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 2007

كعادته منذ شريطه الأول "حب في الدار البيضاء"، يتطرق عبدالقادر لقطع في فيلمه الجديد "ياسمين والرجال" الى نفس الهم وذات القضية. أي قضية المرأة وأوضاعها المختلفة سياسياً واجتماعياً وثقافياً في مغرب اليوم. من هنا فإن"ياسمين والرجال"يشكل اغتنام فرصة أخرى لوضع أسئلة الراهن عبر الفن السابع.
فياسمين امرأة من الزمن المعاصر، لا تعيش إلا بفضل مقاومة مستمرة ويومية لنزوات الرجال في مجتمع ذكوري بامتياز. يُظهرها المخرج في حالات كثيرة وهي تدفع عنها الرغبة التي يثيرها جسدها تجاه الرجال، ليس لأنه جميل ومثير في حد ذاته، ولكن لكونها امرأة مغربية عربية في مجتمعها المغربي العربي.
وللتدليل الصوري على ذلك اختار المخرج في حكايته عن ياسمين أن يبدأ من النهاية. أو عند حافة النهاية. فنرى ياسمين في أول المشاهد ملقاة هامدة على سرير مستشفى، بعد أن تعرضت لحادثة سير. أي بعد أن أصيبت في الجسد حقيقة وفعلا وتعرضت لعنف مادي ضار، يبدو أنه آخر حلقة في مسلسل حياتي طويل بدأ يتكون من الطفولة من هجمات على الجسد، هجمات"معنوية"عنيفة تجاه أنثويتها.
ومن خلال حلقات الغياب في المستشفى وعبر سلسلة من الفلاش باك، نكتشف رويداً رويداً قصة هذا العنف الرجولي الجامح وكيف تعاملت ياسمين معه. وطبعا تكون زاوية النظر، كما يريد المخرج، في جانب المرأة.
وهكذا نراها، عبر آلية الاستعادة، سكرتيرة في مكتب بعد ساعات الدوام لإتمام عمل مطلوب من رب العمل. هذا الأخير اتخذ الطلب ذريعة للانفراد بها. لا ترضخ ياسمين لنزواته، وتدفعه عنها. في الخارج تقع لها الحادثة. لكن المثير هو أن الزوج، عند زيارته لها في فترة التداوي، يكشف بأنه هو الذي حثها على التعامل مع رب العمل حتى في كل ما يطلبه، وذلك لوجود مصلحة له في ذلك يمنحها صبغة مصلحة عائلية كبرى. يحادثها عن ذلك وهي ملقاة لا تعي ما يقول.
الاستعادة نفسها تمكننا، في إطار آخر من التعرف على حقيقة دفينة. إطار التذكر تحليلي نفسي يشبه صعوداً إلى سطح الوعي لحادث قديم وقد تم تصويره سينمائياً. فيتم اكتشاف الأب، واسمه الكونونيل، و هو يراودها عن نفسها قبل أن يهرب. مشهد أريد له أن يكون مصوراً في أجواء مضببة مرتعدة وخاطفة. مشهد من النادر الاطلاع عليه في السينما العربية لجرأته. الإيحاءات الفنية عن علاقات محرمة ليس مما يتوخى الفن السابع العربي التطرق إليه.
بعد تراكم الهجمات، وبعد الحادثة، تقرر ياسمين الإمساك بزمام أمورها وتغيير نمط عيشها كلية. فتغادر منزل الزوجية مصطحبة معها ابنتها بعيداً من الزوج. يضع المخرج في طريقها امرأة متحررة تساعدها بالنصائح وبالإيواء. امرأة هي نموذج لأنثى تقرر بنفسها ما يجب فعله. تعمل لكسب العيش، وتمارس الحياة حسب ما تراه مناسباً لها، تشرب وترتبط بعلاقة غير شرعية مع رجل.
تأخذ ياسمين العبرة، فترمم حياتها وحياة ابنتها وأخت لها. تهرب إذن و تبتعد وتمكن أختها من السفر برفقة حبيب لها إلى خارج الوطن بعد أن سرقت جواز سفرها المحتجز لدى الأب. تصير امرأة أخرى تقاوم وتتحدى وتجسر. إنهما الصورة والانطباع اللذان يخرج بهما المشاهد.
في مقابل هذه الصورة الإيجابية لا يبدو الرجل العربي في أحسن حالاته. بل حتى النماذج الإيجابية التي يقدمها المخرج لا توازن بما فيه الكفاية السلبية هذه.
فالأب الكونونيل نراه من خلال الاعتداء القديم على ياسمين، وهو اعتداء له مبرر، في الشريط طبعاً، يتجاوز العلاقة المحرمة. فالأب من الكهول الذي قضوا حياتهم في السلطة ولا يعرفون سوى لغة التسلط، سواء في العمل أم في العائلة أم في أجواء الحب. يرسم له المخرج صورة قاتمة وغير مريحة لكنها الصورة التي تتشكل لكل الذين ألفوا الأمر والتحكم والعقاب. في مشهد قاس ومطروق يظهر رجلاً متقادماً فعل به الزمن ما فعل لكنه لا يزال يدخن السيجار بملل وعنجهية معتادتين، وبجواره فتاتان من فتيات الليل في بيته الذي يشبه بيتاً للدعارة، ويطلب منهن أن يفعلن أفضل ما يعرفن تأديته. فإذن كل الأفعال التي قد يأتيها صادرة من تكوين سلطوي لا يرعوي قط أمام النزوة. شبيهه في الأمر رب العمل الذي يُقدم في صورة الرجل الجشع.
والزوج ليس سوى شخص خنوع تحركه مصالح مادية طموح للترقي الاجتماعي، ولا يلقي في سبيل ذلك أي اعتبار لأي شيء وإن كان أخلاقياً مثل ما يمس علاقته بزوجته. لكنه يثور عندما تقرر هذه الزوجة الهرب بالبنت، فيلاحقها ويوظف الدسيسة لخطف البنت من المدرسة. وبالتالي فالزوج هنا لا يستعرض القوة والمكر إلا في مواجهة الزوجة ياسمين.
أمام هذه العينة يضع المخرج في طريق ياسمين، مرة أخرى، رجلاً"شهماً"كانت تعرفت عليه في حفل الذكرى الثانية للهجمات الإرهابية التي حصلت في الدار البيضاء بحسب ما يقوله لها، في إقحام لحدث يقصد منه ربما عبد القادر لقطع ربط الشيء بالشيء، والقول بأن وجود إرهاب ووجود قمع للمرأة شيئان متلازمان! لكن الرجل يلوح محايداً، متفهماً أكثر من اللازم، ويقوم بتلبية رغبات ياسمين ومساعدتها باحترام، أي أنه ليس رجلاً"مقتحماً"و"مقترحاً".
وهي نفس الصورة التي يطالعنا بها حبيب أخت ياسمين الصغرى، والذي يبدو عاشقاً فقط، صموتاً وتابعاً، عكس حبيبته التي تقاوم الكونونيل على رغم الخوف والتهديد، ديدنها في ذلك الهرب و الهرب بعيداً عن بيت"يقتل"الأنثى رمزياً ويقضي على الجميل فيها.
وبهذه النماذج للمرأة وللرجل يقدم عبدالقادر لقطع فيلماً أريد له أن يكون تشريحاً لما يعتمل في مجتمع عربي مغربي تكون فيه العلاقات مرهونة لتجاذب ما بين العادات والموروث والمعتقد والخاطئ من الممارسات من جهة، وبين السعي للتحرر والانعتاق واللحاق بركب الحداثة.
لكن مع إعطاء المرأة الدور المركزي في تحريك الوقائع والأحداث بتشكيل شخصية لها تكون نداً للرجل في كل شيء. امرأة الحداثة حد الحرية المطلقة. امرأة ليس كونها الأنثى ميزتها المحددة الأساسية. ولقد أدت الدور بإتقان كبير الممثلة المغربية المهاجرة من فرنسا سناء العلوي.
"ياسمين والرجال"هو الشريط الخامس لعبدالقادر لقطع منذ 1989. ومعروف أن أفلام لقطع تثير الجدل بحديثها كل مرة عن الطابوهات، وبمزجها ما بين المواضيع السياسية والدينية والأخلاقية في كل شريط. وكل فيلم يتناولها عبر حكايات إنسانية في مجتمعات مدينية حضرية. الفيلم هو إعلان رأي وانخراط في النقاش. وپ"ياسمين والرجال"لا يشذ عن انشغالاته كمثقف. هل وفق؟ من حيث الطرح نظن أنه وفق، إلا أن المشكل الذي يحصل مع مثل هذه الخيارات الفيلمية هو كونه لا يستطيع التخلص من نوع من التلقينية والخطابية حسنة النوايا التي تبدو سينمائياً تحرج المشاهدة. إذ تبدو هذه السينما وكأنها تتغيا الإثارة بالصورة والتشويق العاطفي قبل كل شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.