في العام 1974 قدم المخرج السوري نبيل المالح فيلم "الفهد" عن رواية مواطنه الأديب والروائي حيدر حيدر. ولقي الفيلم في حلته الاولى كساداً تجارياً واضحاً على رغم اهمية موضوعه. وأرغم المخرج على اعادة تصوير بعض "المشاهد الحيّة" مع الممثلة السورية إغراء التي تقتفي أثر زوجها المطارد في الجبال الوعرة - لعب دوره اديب قدورة -. وحطت هذه المشاهد الفيلم في المرتبة الاولى بين جميع الافلام السورية التي عرضت في تلك الازمنة "الواعدة". وحتى وقت ليس ببعيد، وهي - أي المشاهد - ادت الى افتراق نهائي بين المخرج والروائي لجهة التعريض بسيرة "بو علي شاهين"، البطل الحقيقي المتمرد على الاقطاع وزلمه. فقد ارعبت صورة "الأم" اولادها الحقيقيين ولم يقبلوا بها اماً اطلاقاً. وعلى ما يروي الاديب حيدر حيدر، فإن اهل القرية جاؤوه في تلك الفترة غاضبين ومهددين بالويل والثبور على الصورة التي قُدمت بها الأم وزوجها الثائر المتمرد. ونأى الروائي حيدر بنفسه عن الفيلم "الذي اصبح تجارياً"، والذي تجاهل فيه المخرج المالح بعض المشاهد السينمائية البكر التي قدمها حيدر في روايته، وانساق وراء المشاهد السخية تجارياً، والتي اغدق فيها على الجمهور، معللاً بذلك تسويق فيلم جاد ومهم ويحمل انسام سينما طليعية سورية، كان بدأها نبيل المالح في تلك الفترة. المرأة وسينما الرجال مناسبة هذه - المقدمة - تأتي مع تقدم الناقدة السينمائية السورية ديانا جبور بكتابها النقدي السينمائي الثاني "عنها... في سينماهم". وهي كما هو واضح تعنون للمرأة في سينما الرجال، او تقتفي أثر الانثى ورائحة معاركها التي لا تنتهي في ملاعب الرجال، وان كانت قد سهت عن فيلم "الفهد" لأسباب نجهلها، وبمجرد التذكير بواقعة "الفهد وزوجته"، فإن جزءاً كبيراً من الأثر المقتفى يكون انوجد ووضحت معالمه في منتصف الطريق. وتجيء الناقدة جبور على صورة المرأة في السينما السورية حصراً من دون ان تشغل نفسها بتوثيق كل الافلام التي ظهرت المرأة فيها، او هي اظهرت المرأة، فللتوثيق - كما تقول - ناسه وأدواته، ولكن هذا لم يمنع اطلاقاً من ان تسقط في "فخ" تنحية بعض الافلام المهمة في مسيرة هذه السينما الشاقة والوعرة... مع ان صدور الكتاب يجيء في الوقت نفسه ليخفف من بعض "النقص الجاد المركّب" في هذه النوعية من الكتابة، وهي تصدر عن ناقدة. فهي تعيد سرد الحكاية بحسب قراءاتها لها، وتأويلها لمؤثرات الصوت وحركة الكاميرا، وكذا ايقاع اللقطة وتعبيرات الممثل. يبدأ ظهور المرأة في ثلاثية "رجال تحت الشمس" - 1970 -، وفيها ترى ان "لقاء" مروان المؤذن، وهو الحلقة الاولى في هذه الثلاثية، يقدم تلك الانثى الشقراء الاوروبية بنمطية السواد الاعظم، فهي جاهلة بالقضايا العادلة ولكنها متورمة جنسياً، وهي تذكر بتفوق العربي الذكوري عليها. اما ثاني افلام القطاع العام، فبعنوان "السكين" للمخرج خالد حمادة عن رواية للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، وفيه يقدم حمادة افلمة سيئة والرأي ليس للناقدة لرواية محملة برموز ادبية ناضجة. على ان محاولة المخرج لا تؤدي في الفيلم الا الى تكريس الاحكام المسبقة تجاه المرأة. وتشير الناقدة جبور الى ان الفيلم السياسي "السيد التقدمي" لنبيل المالح، والذي يجيء على نوسان رمزي للمرأة بين كونها اداة للصراع بين رجلين: الصحافي والسياسي الفاسد، فإنه يجعل منها محتلة موقعاً وفاعلية مختلفين عن كل ما عرفته السينما السورية حتى لحظة انتاج الفيلم - 1974 - الذي تميز بجرأة تعبيرية لافتة وأسلوبية غير مسبوقة في زمانها. لكن ظهور الأم ياسمين خلاط في فيلم أخّاذ مثل "أحلام المدينة" للمخرج محمد ملص شكّل حدثاً سينمائىاً في السينما السورية والعربية على حد سواء، فهو يقدمها بصفتها الحال النموذجية لضياع المرأة التي تحاول ان تنجو من استلابها الظالم فتقع تحت نير ظلم اشد... وهي ستبدو "ظالماً" مثل الآخرين، حتى تتفوق عليهم بمستوى الظلم والقسوة... وتدور في مخيلة طفلها باسل الابيض بصفتها عنصراً من عناصر القهر والتسلط من دون ان تسعى لمنحه الملاذ الذي يهدئ من روعه. وتقدم الناقدة ديانا جبور نموذجين للأفلام القصيرة التي قدمها القطاع العام - الأول بعنوان "المرأة اليوم" لمخرجه خالد حمادة وهو كما تراه فيلم دعائي يقدم اوضاع المرأة على انها مشرقة، ولا ينقصها شيء في ظل التغيرات الجذرية والايجابية التي قدمتها الاتحادات والنقابات للمرأة في سورية. لكن فيلم "عنها" للمخرج سمير ذكرى يقدم النقيض لهذه الصورة المشتهاة للمرأة. ففي المعامل الحكومية تعاني المرأة الخوف على ابنائها من التشرد والضياع. على ان السينما التجارية الخاصة يرتبط ذكرها بفيلم "المتهم البريء" الذي اخرجه ايوب بدرية عام 1928، وقدم فيه المرأة كأميرة اوروبية كي يقطع بذلك - كما تقول جبور - اي شبهة لدى المتفرج في ان هذه المرأة التي تعانق الرجل او تتحدث اليه على انفراد قد يعني بها المخرج اخته او امه او زوجته فهن مرصودات للبيت، واذا ما خرجت الواحدة منهن فهي غرائبية المظهر والسلوك. وتختتم بفيلم "سحاب" لمحمد شاهين الذي يمثل نهاية القطاع الخاص في سورية حيث اسدل الستار على انتاجه عملياً عام 1992، وهو القطاع المفلس فكرياً ومادياً، اذ لا يبدو "السحاب" الا غمامات باهتة تعوّد عليها جمهور القطاع الخاص... وهو جمهور ملتبس في تاريخه، اقله حتى انقضاء آخر يوم من عقد مضى...