قفزت اجراءات واتصالات تنظيم الفراغ الرئاسي في لبنان، عشية انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود منتصف ليل اليوم الى الواجهة، في محاولة من القوى السياسية المحلية، ومن الموفدين الخارجيين، لتفادي أي تدهور أمني أو انفلات قد ينتج من الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بسبب عمق الأزمة السياسية. راجع ص4 و5 وخفض اجماع الفرقاء على تولي الجيش اللبناني الأمن في بيروت الكبرى وبعض المناطق الجبلية بتدابير مشددة قد تشبه حال الطوارئ في البلاد، المخاوف ازاء نزول المعارضة الى الشارع، وحصول احتكاك بين جمهورها وجمهور الأكثرية، في موازاة استمرار الاتصالات التي قادها وزراء الخارجية الأوروبيون الثلاثة، الفرنسي برنار كوشنير والايطالي ماسيمو داليما والاسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، مع القيادات السياسية كافة، في محاولة منهم لطرح مخرج لعقد جلسة الانتخاب المقررة اليوم. ولم يتوصل زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري خلال اجتماعه ليل أول من أمس مع زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون الى اتفاق يحدث اختراقاً في الجدار المسدود في شأن انتخاب الرئيس الجديد. وعلمت"الحياة"ان افكاراً عدة جرى تداولها في اللقاءات والاتصالات أمس بينها ان تعقد الجلسة التي دعا اليها الرئيس نبيه بري اليوم، وأن يطرح على التصويت إسما المرشحين اللذين لم يتمكن بري والحريري من الاتفاق على أي منهما النائب روبير غانم الذي أيده الحريري وكان حصل على موافقة بري عليه قبل أسبوعين، والوزير السابق ميشال اده الذي كان أبلغ بري لاحقاً أنه و"حزب الله"يقبلان به كمرشح توافقي وحيد بسبب فيتو الحزب على غانم، فيتنافسان على كسب أصوات النواب وليربح من يربح. ومرّت ذكرى الاستقلال الرابعة والستون وسط اجواء وجوم وغياب الاحتفالات، وكانت أبرز مظاهرها زيارات قام بها قائد الجيش العماد ميشال سليمان يرافقه اعضاء المجلس العسكري في القيادة، ومدير المخابرات الى لحود ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، حيث أبلغ سليمان هؤلاء التدابير التي ينوي الجيش اتخاذها بدءاً من اليوم، في حال انعقاد الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس الجديد لحفظ الأمن وتكثيف انتشار الجيش في محيط البرلمان والمداخل والطرق المؤدية اليه، اضافة الى تأمين انتقال النواب الى ساحة النجمة. وعلمت"الحياة"ان العماد سليمان وضع بري والسنيورة في اجواء التدابير المتخذة لا سيما في بيروت الكبرى في حال تعذر انعقاد الجلسة اليوم، وذلك في ضوء ما سيصدر عن لحود في رسالته الوداعية الى اللبنانيين والتي سيكلف بموجبها الجيش حفظ الأمن. وتفيد المعلومات ان قيادة الجيش اللبناني تتمتع بغطاء سياسي من كل القوى للحفاظ على الأمن في حال فراغ سدة الرئاسة، والتصدي لمن يحاول ارباك الوضع. وهو غطاء سيؤدي حتماً الى رفع الغطاء عن كل من يحاول الاخلال بالأمن، خصوصاً ان العماد سليمان تبلغ بمواقف داعمة في هذا الشأن من كل الاطراف السياسية. وقال مصدر وزاري ل"الحياة"ان الحكومة لن تدخل في سجال مع لحود حول تكليفه الجيش الحفاظ على الأمن، على رغم ان قرار التكليف قائم ومستمر بقرار من مجلس الوزراء، اضافة الى ان تكليف الجيش لا يصدر إلا عن مجلس الوزراء، وأن لحود لا يستطيع ان يكلفه منفرداً استناداً الى صفته كقائد أعلى للقوات المسلحة. وعلمت"الحياة"من مصادر متعددة ان الرئيس بري كان تعهّد قبل أيام لعدد من الموفدين والسفراء العرب أن لا تقدم المعارضة على خطوات اعتراضية على الأرض ازاء بقاء حكومة السنيورة وتسلمها سلطات الرئاسة، في حال تعذر انتخاب رئيس جديد. وأوضحت مصادر رفيعة المستوى ل"الحياة"ان تعهّد بري جاء باسمه وباسم"حزب الله". وأشارت في سياق شرحها للجهود التي بذلت من أجل تنظيم الفراغ وضبطه ومنع أي خطوات سياسية أو أمنية تصادمية، الى ان المعارضة لن تعترض ضمناً على تسلم حكومة السنيورة سلطات الرئاسة، لكنها ستستمر في اعتبارها غير شرعية. وأكدت المصادر ل"الحياة"ان بري أبلغ موفدين أنه اذا لم يحصل انتخاب الرئيس اليوم فهذا"ليس نهاية الدنيا ويمكننا اذا حصل توافق ان نجتمع في اليوم التالي أو بعد أسبوع". وكانت مصادر في قوى 14 آذار كشفت ل"الحياة"ان لقاء عون والنائب الحريري أول من أمس، في حضور نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، لم يحقق أي تقدم بالنسبة الى التوافق على رئيس جديد للجمهورية، إذ أصر عون على أنه المرشح التوافقي، وأنه وحده يملك رؤية لحل الازمة وأنه الضامن للحل. وأبدى عون استعداده للتعاون مع الحريري في حال انتخب رئيساً، على اساس ان يكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة، وسأل عن الاسباب التي تمنع الأكثرية من تأييده، فأجابه الحريري بأنه طرف في الصراع، بالتالي لا يمكن تصنيفه كمرشح توافقي، وأن الاطراف المسيحية في قوى 14 آذار لا تدعمه. وتابعت المصادر ان عون دعا الحريري الى التفكير بما طرحه عليه، وأن يأتيه بجواب، علماً ان الحريري كان أبلغه ان لا مشكلة شخصية معه، وأن المطلوب رئيس توافقي تؤيده الغالبية اذا تعذر الإجماع، وأنه مستعد للتعاون معه ومع الآخرين، من أجل مخرج يجنّب البلاد الفراغ من دون اتفاقات ثنائية. مبادرة عون ومساء أمس أطلق عون مبادرة قال انها صالحة حتى الساعة العاشرة ليل اليوم، أي قبل ساعتين من انتهاء ولاية لحود. وأضاف:"نتقدم بعد موافقة الكتل النيابية المعنية في المعارضة والموالاة، بالمبادرة الانقاذية الآتية: يسمي النائب العماد ميشال عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية من خارج تكتله وتياره، ويلتزم هذا المرشح مضمون وثيقة التفاهم مع"حزب الله"وينتخب من مجلس النواب، وتنتهي فترة رئاسته مباشرة بعد اجراء الانتخابات النيابية المقبلة، على ان يتأمن النصاب الدستوري الثلثان حينها، لانتخاب الخلف. بالتوازي يسمي النائب الشيخ سعد الحريري رئيس حكومة توافقياً من خارج تيار"المستقبل"وملتزماً بالمحكمة الدولية. تتألف حكومة وفاق ووحدة وطنية نسبياً بحسب تكوين المجلس النيابي، أي 55 في المئة للموالاة و45 في المئة للمعارضة، وتكون للسلطة حقيبتان سياديتان وللمعارضة حقيبتان سياديتان. يكون أبرز بنود برنامج الحكومة ما يأتي: اقرار قانون انتخابات اصلاحي جديد تكون الدائرة فيه القضاء، واجراء الانتخابات العامة على اساسه في موعدها كحد أقصى. ايجاد حل نهائي لملف المهجرين واعطاؤه الأولوية المالية المطلقة. اعادة النظر في نظم المجلس الدستوري وتعيين اعضائه بالتوافق فور تأليف الحكومة، والاسراع في بت الطعون النيابية. مشاركة المسلمين والمسيحيين مناصفة في كل مناصب الفئة الأولى الادارية والقضائية والأمنية، وفق احكام الدستور، مع ابقاء قائد الجيش في موقعه. اما في حالات شغور منصب قائد الجيش فتعود تسمية القائد الجديد استثنائياً الى رئيس الجمهورية الجديد. يعمل بهذه المبادرة عند تعهد غالبية رؤساء الكتل النيابية في المعارضة والموالاة الالتزام بها". وفي رد على الاسئلة قال عون:"أتعهد بهذا التفاهم وليست لدي اسماء للتشهير ولترفض وتقبل. هذه المبادرة على مسؤوليتي كما تعيين رئيس الحكومة هو ايضاً مسؤولية رئيس الاكثرية، وهي ليست للتشهير بالناس أو سوقاً تباع فيها الاسماء بالكيلو". وعما اذا كان المرشح الذي سيسميه هو النائب بيار دكاش الذي زاره امس، قال عون:"وجود بيار دكاش صدفة، وهو جاء لزيارتي ولم يشترك في الاجتماع، وكان الاجتماع انتهى. حضور بيار دكاش هنا لا علاقة له بالموضوع، وقد يكون هو الاسم أو غيره". وأشار الى انه أبلغ الوزراء الأوروبيين بوجود مبادرة فقط و"المضمون مسؤوليتي ولا نجري مشاورات مع الجميع وأنا لا أشاور أحداً اصلاً وأعمل بوحي من ضميري وأقدم شيئاً انقاذياً لم يكن من المفروض ان أقدمه. المطلوب مني تسهيل انتخاب الرئيس، وهذه هي فكرتي وعندما يطلب مني شيء وفقاً لمعتقدي وما أؤمن به أقوم به، واذا كان يتضارب مع معتقدي لا أقوم به". واستدرك:"نقدم هذه التسهيلات التي هي متوازنة، تحفظ حق الجميع كرامة وحقوقاً، ومخرجاً مشرفاً". وعن الخيارات الجدية للمعارضة، في حال لم يتم انتخاب رئيس قال عون:"الخيارات ستكون عند الحكومة لا عندنا، ونحتفظ بكل الحقوق". وأضاف:"نعطي لرئيس الجمهورية فرصة مدتها ساعتان اذا أراد تقديم شيء ما واذا كان لا يريد ان يقدم شيئاً فهو حر ايضاً، وخياراتنا غير محدودة بخيارات رئيس الجمهورية، وأكيد رئيس الجمهورية قرر خياراته". وعن احتمال الانقلاب على مبادرته كما حصل في التحالف الرباعي، قال عون:"عندها الصراع سيكون أقوى ويتحملون هم نتيجته". وعن لائحة بكركي قال:"ليست مسؤوليتي"، رافضاً ان يجيب عن سؤال عما اذا كانت تتعارض مع مبادرته. وعلمت"الحياة"أنه سبق اعلان العماد عون لمبادرته ابلاغه اجتماع كتلته النيابية ان الوزير كوشنير تمنى عليه العدول عن الترشح للرئاسة في مقابل ان يكون له الحق في تسمية رئيس الجمهورية. ولمّح عون خلال الاجتماع الى ان لحود لن يكتفي بتكليف الجيش حفظ الأمن، بل سيبادر من ضمن صلاحياته الى اتخاذ موقف ما، وهو ما لفت اليه النائب محمد رعد رئيس كتلة"حزب الله" النيابية الذي زار لحود مع نواب الكتلة، بخلاف تأكيد الاخير امام زواره، قبل استقباله وفد الكتلة أنه سيترك القصر الجمهوري فور انتهاء ولايته، وسيوجه رسالة الى اللبنانيين يكلف فيها الجيش حفظ الأمن. وأطلق عون مبادرته في وقت كان قادة قوى 14 آذار ونوابها مجتمعين في فندق فينيسيا. ووصفت مصادر نيابية ما أعلنه بانه"مقايضة"بين عزوفه عن الترشح بمجيء رئيس حكومة من غير الاكثرية، مشيرة الى ان مطالبته بتمثيل للمعارضة في الحكومة المقبلة يفوق الثلث المعطل تتجاوز مطالب"حزب الله". ورأت هذه المصادر ان اقتراحات عون هي"بمثابة تعليق للدستور وإن كانت تضمنت تخليه عن ترشحه، لأنه يطلب رئيساً لمرحلة انتقالية تكون مدته زهاء سنة ونصف سنة، فهذا يحتاج الى تعديل دستوري، فضلاً عن تناوله أموراً تُفرض على مجلس الوزراء قبل ان يتشكل في العهد المقبل، إن بالنسبة الى التعيينات قائد الجيش أو غيرها".